الجريمة الأكبر

آراء 2024/07/11
...

 نرمين المفتي 


أجزم ومعي الكثيرون بأن المخدرات إرهاب فتاك لا يختلف عن الإرهاب الظلامي وقد يكون أشد منه، فالمخدرات والمؤثرات العقلية تستهدف الشباب، خاصة وهم القوى العاملة في البلد ويستهدف كذلك طلبة المدارس والجامعات، واذ لا ادعي بأنني أتابع البرامج الحوارية كلها، لكن التي أتابعها لم تلتفت إلى اليوم العالمي لمكافحة المخدرات، والذي توقعت ان يكون يوما بإعلام ونشاط مميزين!  على أية حال، يكاد لا يمر يوم بدون إعلان القبض على تجار المخدرات وبحوزتهم كميات كبيرة منها، واعلنت وزارة الداخلية قبل أسبوعين أن اجهزتها المختصة ومنذ بداية السنة الحالية ضبطت 230 شبكة تتاجر بالمخدرات، من ضمنها 27 دولية، بالإضافة لأكثر من 150 تاجرا دوليا، وبين فترة وأخرى تعلن الداخلية عن كمية المخدرات التي تم ضبطها، وهي دائما بالأطنان وبأرقام مرعبة. وقطعا أن جهود وزارة الداخلية بحاجة إلى حملات توعية توازيها في المدارس والجامعات والدوائر والى ندوات أسبوعية أو شهرية، يشارك بها مختصون في القانون والصحة والمجتمع في الاماكن التي تشهد إقبال الناس مثل المولات وأن يتم انتاج مقاطع مرئية (سپوتات) تُعرض في الفترات الذهبية على الفضائيات وفي دور السينما، قبل عرض الافلام وتنشر على مواقع التواصل الاجتماعي. قد تكون هناك مثل هذه النشاطات، لكنها قليلة ومتقطعة بينما لا بد ان تكون كثيرة ومستمرة.  ان الجرائم التي يرتكبها المدمنون بشعة سواء لأجل سرقة الاموال لشراء المخدرات أو لأنه مغيب عقليا ولا يدرك افعاله إلا بعد ارتكابها. تعرض البرامج الخاصة بالجرائم لقاءات مع المتعاطين والمروجين والمتاجرين، ودائما بينهم نساء في غالبيتهن شابات عرفن طريق الادمان، ومن ثم اصبحن مروجات أو تاجرات، بل ان إحداهن نافست الرجال وكانت تهرب المخدرات لوحدها، وبدأت تبيع بسعر أقل في محاولة ان تسيطر على (السوق) في منطقتها! والمؤلم ان بينهن من انخرطت في أمور غير اخلاقية للحصول على المخدرات. ويلمس المتابع لهذه البرامج، إن من أسباب إدمان الشابات التفكك الأسري والفقر، اما المروجات فالسبب هو الثراء وتقليد الفاشنيستات. تشير التقارير إلى وجود مئات الآلاف من المدمنين على المخدرات والمؤثرات العقلية، وما تزال مراكز العلاج من الادمان ليست بحجم عددهم، اذ تحتاج المحافظات كلها إلى هكذا مراكز وربما هناك محافظات تحتاج إلى اكثر من مركز واحد بسبب ارتفاع عدد المدمنين فيها. إن قضية مواجهة هذا الوباء متشابكة، وكما اسلفت ليست مهمة اجهزة وزارة الداخلية لوحدها خاصة جهاز.   مكافحة المخدرات وقوات الحدود والأجهزة الامنية الأخرى، اذ لا بد من جهود لوزارات الصحة والتربية والتعليم العالي والاتصالات ووسائل الإعلام والإنتاج الدرامي وتعاون منظمات المجتمع المدني المعنية بالأسرة والقانون والصحة، ومهما كانت جهود الداخلية مستمرة، مع استمرار صدور أحكام بالإعدام على تجار المخدرات ومهربيها واحكام بالسجن على المروجين، فإنها لن تؤتي بأُكلها بدون تعاون الجهات، التي أشرت اليها ولعل من أهمها الدراما، خاصة أن لكل متهم، ذكر كان أو انثى، محكوما بالإعدام أو السجن قصة تتحول إلى سيناريو، ومن ثم إلى مسلسل يجذب الكثيرين ويحذرهم، فهمها كان الثراء حتى عن طريق غير مشروع هدفا للذين ليست عندهم، أية قيمة مجتمعية، فالمفروض أنهم يلهثون خلف هذا الهدف لـ(حياة) مرفهة سيقضي عليها حكم الإعدام أو السجن.