سعد العبيدي
ظهرت أخيراً في عراقنا الديمقراطي الجديد جماعة غريبة في سلوكها تعرف بالقربانيين أو «العلي اللهية»، تتبنى طقوساً أثارت قلق المجتمع وخشية الآباء والأمهات، بعد انتشارها بين الشباب في محافظات الوسط والجنوب على وجه الخصوص.
تكمن غرابتها في طقوسها التي تتأسس على «الانتحار بالقرعة»، حيث يتعين على الفائز بها الانتحار.
سلوك وإن لم يرقَ إلى كونه ظاهرة، إلا أنه مثير يعكس حالة الضياع التي يعاني منها الشباب العراقي.
وهو سلوك تتعدد أسباب انتشاره في هذا الوقت بالذات، بينها معاناة الشباب من الفراغ في حياتهم اليومية، حيث يفتقد الكثير منهم للأنشطة المثمرة أو الأهداف الواضحة، والفراغ بطبيعة الحال يخلق شعوراً بالضياع ويجعل الشباب عرضة للانجراف وراء أفكار متطرفة أو طقوس غير تقليدية، بحثاً عن معنى لحياتهم.
وبينها أيضاً يلعب الجهل دوراً كبيراً في تفشي مثل هكذا سلوك، فمع تراجع مستويات التحصيل وتدهور النظام التعليمي، يجد العديد من الشباب أنفسهم محرومين من المعرفة والثقافة، ما جعلهم عرضة لتبني معتقدات غير منطقية وسلوكيات مدمرة، والجهل بشكل عام يعزز من قبول الأفكار المتطرفة ويضعف مناعة الشباب أمام تأثيرات الجماعات الغريبة.
وبينها كذلك، ذلك اليأس المتزايد بين الشباب، فمع ارتفاع معدلات البطالة وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، شعر الكثير منهم بعدم القدرة على تحقيق ذواتهم أو تحسين واقعهم، واليأس بحد ذاته يخلق بيئة خصبة لنشوء جماعات متطرفة تستغل حاجات الشباب النفسية والعاطفية.
إن ظهور مثل هذه الحركات في بلادنا بالوقت الراهن يعبر عن مشكلات أعمق تعاني منها الدولة في تعاملها مع الشباب ورعايتهم.
مواجهتها أو التعامل معها يتطلب معالجة شاملة لمشكلات الفراغ والجهل واليأس بين عموم الشباب، وذلك عبر توفير فرص تعليمية ووظيفية، وتعزيز النشاطات الثقافية والاجتماعية، والعمل على تحسين الظروف الاقتصادية العامة. فقط من خلال هذه الجهود المتكاملة يمكن منح الشباب الأمل والمعنى، الذي يحتاجونه، لتحقيق ذواتهم وتجنب الانجراف نحو مثل هذه الممارسات المدمرة.