سلام مكي
لا شك أن الحكومة ممثلة بوزارة الداخلية، ومجلس القضاء الأعلى قد بذلوا جهودا كبيرة، طوال السنين الماضية، بمكافحة المخدرات، بشتى الوسائل المتاحة، فكثير من رجال الأمن فقدوا حياتهم أو تعرضوا للإصابة جراء الاشتباك مع تجار المخدرات. وكلما تقدم الوقت، كلما زاد خطر المخدرات، وكثرت التضحيات من جانب القوات الأمنية. المخدرات، إرهاب صامت، إرهاب أبيض، لا يقتل فردا فقط، بل يقتل مجتمعا بأكمله، فحين يتعاطاها شخص، فهذا يعني أنه سيرتكب جريمة بحق عائلته، وبحق المجتمع بأكمله. الجميع يعلم أن المخدرات انتشرت بشكل واسع داخل المجتمع، ودخلت أماكن العلم كالجامعات والمعاهد، وداخل البيوت. كما تفنن المجرمون بتسويق بضاعتهم، عبر وسائل مبتكرة وحديثة، مما زاد من صعوبة التصدي لهذه الظاهرة الاجرامية الخطيرة، التي تهدد وجود المجتمع وكيانه.
وبالعودة إلى قانون مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية رقم 50 لسنة 2017، نجد أن المادة 7 أولا نصت على تأسيس مركز لتأهيل المدمنين على تعاطي المخدرات والمؤثرات العقلية، وذلك في وزارة العمل والشؤون الاجتماعية، يختص بمعالجة الذين يتقرر الافراج عنهم، بقرار قضائي، أو إطلاق سراحهم من دائرة الإصلاح العراقية أو دائرة إصلاح الاحداث بانتهاء محكوميتهم أو إخراجهم من المستشفى.
نلاحظ أن المشرع، في هذه المادة، كان يهدف إلى معالجة الإدمان على المخدرات، عن طريق المعالجة والتأهيل، لكن الإشكالية التي تضمنتها هذه المادة هي أن المشرع ساوى بين المفرج عنه بقرار من المحكمة، وبين من أطلق سراحه بعد انتهاء محكوميته، وهنا فرق شاسع بين الاثنين، فالأول، أطلق سراحه بعد أن تبين للمحكمة المختصة أن الأدلة لا تكفي لإدانته، يعني أنه وحسب الأدلة التي توصلت لها المحكمة غير متعاط للمخدرات أو المؤثرات العقلية، وبالتالي فما هو الداعي لتأهيله إذا لم يكن يتعاطى أصلا! أما الثاني فهو قد ثبت قانونا أنه يتعاطى الممنوعات، وبالتالي فقد صدر بحقه حكم قضائي، ونال جزاءه العادل. لكن المادة 7 أولا ترى أن على وزارة العمل والشؤون الاجتماعية أن تعالجه بعد خروجه، وأن تخضعه لبرنامج تأهيلي. لكن السؤال يرد هنا: لماذا يكون العلاج بعد إكمال المحكومية؟ لماذا لا يكون بعد الكشف عن التعاطي مباشرة، حتى يكون العلاج ذا فعالية ويؤدي إلى شفاء المتعاطي بشكل فعّال؟
إن الواقع العملي، يقول إن الكثير من المتعاطين، عندما يدخلون السجن، فإنهم سيتحولون إلى تجار مخدرات، أو على الأقل، لن يتركوا المخدرات، فيما لو أطلق سراحهم بعد انتهاء محكوميتهم، لأن السجون تفتقر لأنظمة وقوانين تمنع وضع المتعاطين مع التجار، أو تلزم وزارة العدل أو دائرة الإصلاح، بوضع تجار المخدرات، في أماكن خاصة وتمنع من اختلاطهم مع باقي النزلاء. لذلك حين يقضي المتعاطي وقتا طويلا مع التاجر، سوف يتعلم أساليب جديدة، لم يكن يعرفها وهو في الخارج، وسوف يتم إغراؤه من قبل التجار بمزايا ومردودات التجارة في المخدرات، فبدلا من أن يتم تأهيل وإصلاح المتعاطي، سوف يتم تحويله إلى تاجر ومن الطراز الأول، لأنه خلال مدة مكوثه في السجن، قد تعلم الأساليب والوسائل اللازمة لتفادي الوقوع في قبضة العدالة، كما سيتعلم كيفية التجارة بالمخدرات، وسيتعرف على أناس جدد، يسهلون من مهمته القادمة. لذلك كان على المشرع أن يجعل واجب المركز المشكل بموجب المادة 7 أولا أعلاه العلاج والتأهيل، قبل الحكم على المتعاطي، وأن تكون فترة البقاء في المركز بمثابة فترة العقوبة التي يحكم بها عليه. وهذا ما أقر به القانون، في المادة 39 أولا التي أعطت سلطة تقديرية للمحكمة في أن تقوم بإيداع من يثبت إدمانه في إحدى المؤسسات الصحية، التي تنشأ لهذا الغرض ليتعالج فيها. أما إذا رفض المحكوم العلاج، فإن للمحكمة إيداعه الحبس. هنا نجد أن القانون، قد جعل للقاضي سلطة تقديرية، إن شاء أودع المحكوم بالمؤسسة الصحية، أو له أن يحكم بالحبس مباشرة، دون الإيداع لغرض العلاج، وهنا لن يتحقق الغرض الأساس من تشريع القانون وهو مكافحة المخدرات، لأن مكافحتها ليست بإيداع المتهمين في السجون، بل في علاجهم قبل كل شيء، لأن الإيداع في المصحات، سوف يضمن بدرجة كبيرة، عدم العودة للتعاطي مرة أخرى. لكن هذه المادة لا تشهد تطبيقا على أرض الواقع، حيث إن نسبة كبيرة من المتعاطين يتم زجهم في السجون بدلا من المؤسسات الصحية، والسبب أما لعدم وجود تلك المؤسسات أو لاستحداثها قبل مدة وجيزة.
القانون في المادة 40 أولا، أعفى المتعاطي الذي يتقدم من تلقاء نفسه للعلاج في تلك المصحات، على أن يلتزم بمنهاج العلاج بشكل كامل، وإلا سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه وفق المادة 33 من القانون.
إن على مجلس النواب العراقي،أن يتولى تعديل قانون المخدرات والمؤثرات العقلية، بخصوص استحداث المؤسسات الصحية التي تتولى معالجة المدمنين على المخدرات، وأن يتم تعديل المادة 7 أولا،التي ألزمت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية بتأسيس مركز لتأهيل المدمنين والمتعاطين، كي لا يشمل من قضى فترة محكوميته أو أفرج عنه لعدم كفاية الأدلة، بل يشمل من يقرر القاضي إيداعه في المصحات بدلا من الحبس.
إن معالجة المدمنين، والمتعاطين، تعد وسيلة مهمة وفاعلة في مكافحة المخدرات، فهي تمنع من عودتهم للتعاطي مجددا، وهي أكثر فاعلية من الإيداع في الدوائر الإصلاحية، التي قد تخلق من المدمن تاجرا في المستقبل.