تموز وحقائق التاريخ

آراء 2024/07/14
...

حسن عودة الماجدي

 الحقيقة في هذا المقام أنها تقول لا يختلف اثنان على ما تتركه سطور التاريخ وأثقالها من التواءات ودوامات يعتركها فكر القارئ والباحث الذي يتطلع بشغف ويمعن النظر، قبل أن يبل حرقته وسطوره في عين الحقيقة، لتشفي غليله وتطفئ ظمأ القلوب العطاشى لفك الرموز.
وإماطة اللّثام عن فحوى قصيدة عصماء استنطقت مفرداتها جموع العراق دون التّباين والتّحايل أو السّمو لهذا أو ذاك، إذ رسمت نغماتها أنات أمّهات العراق وصدحت بها حناجر شعبه في موكب، ما فتئ يزحف نحو ذرى المجد رغم القهر والعذاب، من دون أن يعرف لمسافات التّاريخ حدوداً أو زمناً وهو يعلم علم اليقين أنّ الثّورات يخطط لها العباقرة، ويفجّرها الثّوار ويتربع على دست حكمها النّفعيون، لكنّ العلة الرّحيمة في التّاريخ أنّه محامي الزّمن وذو حكمة اذا ما قرئ ما بين السّطور، فهو يعطي بقدر ما يأخذ ويزيد أحياناً، وهو وإن رضخ في بعض عن سطوره للأهواء والرّغبات والنّزوات، وان أرغمته الأيام على طيّ سجلاته، وکم افواه حقائقه أو حنى ظهره تحت وطأة مطرقة الحقد والغباء على سندات الصّبر والأذى والمعاناة لا يمنع ما هو مکتوب بين ثنايا الصّفحات وخواتيم الكلام، حينما تخلو النفس بالمناجاة، حتى لو تعاونت الأيدي الرّعشة على محوه وتناسيه، ولا سيما تلكم النّفحات التي أصبحت (نشيداً) عراقيّاً محضاً، حفظته أجيال ولقنته أجيال أخر، ليس لمسيرتها انقطاع أو تلكؤ، لتصيح، لا، بل تصرخ في دروب الزّمن، أن الزّعيم قد زكّته حقائق الأحداث لأن يكون سطراً من سطور التّاريخ، بل سجل لكل العراق في زمنه وحلقة في سلسلة أمجاد (الميزوبوتاميا) وصرحاً شامخاً لعصر إنساني جديد، وحضاري مجيد يضاف إلى مجد تلكم العصور التي ضربت بجذورها في أرض السّواد.
إنّ ( عبدالكريم قاسم ) رمزٌ للحقيقة المرّة، ونوط إباء ونخوة وسؤدد، حملته صدور أبنائه وأخوته، لم تصغه من عسجد الكبر، وإنّما نسجته من (خوص ) سعف النّخيل العراقي، بعد أن طرّزت دیباجته بتراث نينوى وبابل وسومر، وإن كانت قد سمت به إلى العلا في رسم الصّورة في القمر، حین كان ينادي بتصغير الصّورة وتكبير (لشنكة) وتعني فسقة العجين، ليكون رغيف الخبز رضياً يسد الرّمق.
أنّ لسطور التّاريخ حقاً أن تنطق بكلمتها.
وان تكشف عن حقيقة مفردات الحقيقة عن انسان صام دهره جسداً وغادر دنیاه صائماً الّا من ملح بارود، رصاصات الإعدام لا لذنب اقترفه وإنّما كان قرار الحكم عليه بتهمة أنه غير مذنب.
وبالعودة للحيف الذي قامت من أجله ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة عام 1958م، حيث أرى أنّ من المفيد ولو بالقدر اليسير أن أطلع الناس في هذه الحقبة على الصعيد الداخلي والخارجي، من أجل الإمساك بحلقة مفادها برسم انطباع صادق للقارئ، الذي لم يعاصر ذلك الحيف المخيف، وما آلت إليه الهجرة العارمة إلى بغداد والبصرة في العهد الملكي المباد، حيث فقد الفلاح العراقي والعامل كذلك مقومات الشخصية في دور الحياة الاجتماعية والسّياسية والاقتصادية، لولا ضربة الثوار العنيفة في الرابع عشر من تموز عام 1958 بقيادة باني مجد العراق الزعيم الخالد عبدالكريم قاسم، والتي تمخض عنها قانون الاصلاح الزّراعي الرقم ( 30) لسنة 1958 الذي جسد الحلم لفلاحي العراق وأنهى سيطرة الإقطاع الظالم، وامّا على الصّعيد الخارجي أحراق وثائق حلف بغداد، ومحو لنوري السعيد وتوقيعه، فاحتارت ایران وباکستان وخارت قوى تركيا، لأن الجسر الجّغرافي الذي يربط الرّكيزة الأساسية له.
أضحى طريقا غير سالك، امّا جسر الثورة التموزية ثبّت دعائمه بعزم المخلصين للثورة والزعيم الخالد، اذ يبقى الرابع عشر من تموز عام 1958 عيداً عراقياً وطنيّاً ناصع البياض بالرغم من مزيّفي الحقائق وتاريخ الأمجاد.