في ذكرى انتصار الدم على السيف.. تتجدد الطقوس إيفاءً وعرفاناً بقيم التضحية

اسرة ومجتمع 2024/07/14
...

 سعاد البياتي

 يطل علينا شهر محرم الحرام، وهو محمل بكل ما يجعله مميزاً بطقوسه وتقاليده التي اعتمدها المجتمع لتقديم العزاء لآل بيت المصطفى باستشهاد أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وبذكرى انتصار الدم على السيف، ولأنه موسم تجدد الأحزان وحادثة الطف التي يعجز القلم عن وصفها لبشاعة الظلم الذي وقع على سبط الرسول وأهل بيته عليهم السلام، ففي عاشوراء تحدونا الذكريات نحو المبادئ والقيم التي ساعدت على ذلك الانتصار، رغم المحن والمصائب التي حلت وكانت تفيض عطاء وتضحيات في سبيل ابقاء الدين وحفظ دعائم الإسلام.
في يوم عاشوراء تتجدد المراسيم والعادات في كل موسم ايفاء وعرفاناً لما قدمه سيد الشهداء في هذا الشهر، ضد الغطرسة والطغيان.
(أسرة ومجتمع) سلطت الضوء على  تلك المناسبة الحزينة لتستطلع التحضيرات في هذا العام.
تقول إحدى الأسر التي رفعت الرايات الحسينية مبكراً استعداداً لشهر محرم «نستعد ليوم عاشوراء منذ اليوم الأول لشهر محرم وتتواصل تحضيراتنا إلى نهاية شهر صفر الخير لنحيي ذكرى استشهاد أبي الأحرار عليه السلام، و في شهر محرم ويوم عاشوراء نرتدي الملابس السوداء ونعلق الرايات على سطح الدار ونطهو الطعام الذي يطبخ بهذه المناسبة الدينية الحزينة، لتوزيعه للفقراء، وأكثر البيوت تحيي الذكرى بالمجالس الحسينية والاستماع إلى القصائد التي تمجد المناسبة وترفع من شأن الشهداء وأهل بيت النبوة، كل ذلك إكراماً للتضحية التي قدمها الحسين(ع) في هذا الشهر.

تجديد العلاقات الاجتماعيَّة
وترى إقبال رحيم أنها تنتظر هي وأسرتها قدوم الشهر لتفتح خزانة تجميع المال التي تهيئها منذ بداية العام لتنفقها على الموكب الذي تديره أسرتها، وهو موكب صغير يقوم بتوزيع الماء والعصائر، وربما الأكلات البسيطة يوزعها الأطفال بين الجيران والمارة، مضيفة «في كل عام أحيي مجالس العزاء النسوية وتتضمن القصائد الحسينية التي تذكر بمآثر الأئمة وخاصة الإمام الحسين وأهل بيته الأطهار، وهذه المجالس بالذات هي لاحياء الذكرى وتجديد اللحمة بين نساء المحلة، وتجديد العلاقات الاجتماعية، ليتسنى لهن التعبير عن مدى الحزن ويقمن العزاء لسيد الشهداء عليه السلام.
نهج حسيني
أما نساء الديانة المسيحية اللواتي نراهن يحضرن المجالس الحسينية ويشاركن عزاء أبي الأحرار، فقد عبرن عن حبهن للإمام الحسين عليه السلام، وأكدن أنهن قرأن كثيراً عن سيد الشهداء وعن تضحياته وشهادته، لذا في كل عام من المحرم يشاركن في طبخ الطعام واحياء الذكرى وارتداء السواد، وزيارة كربلاء مع مجموعة من النسوة، لا سيما في الأربعين حيث يقمن في مشاركة النساء لاحياء أربعينية الإمام والوقوف على شعيرة طبخ وتوزيع الطعام، ويحثن أطفالهن على المشاركة في كل عزاء يقام، وهو نهج اتخذنه منذ سنوات.
وبصدد ذلك تقول سوسن يوسف «كما  في كل عام أحضر المجالس الحسينية الخاصة بالنساء وبالمناسبة قد زرت كربلاء أكثر من مرة وشعرت بالروحانية والراحة النفسية حينما ألج إلى حضرة الإمام الحسين عليه السلام و سأشارك هذا العام أيضاً بإحياء ذكرى يوم عاشوراء، فالإمام الحسين ليس لطائفة معينة بل لكل مظلوم على وجه الكرة الأرضية، ولكل الطوائف.»

روح الإيمان والتقوى
لا يمكننا إغفال طقوس شهري محرم وصفر، لأنها تعيد إلى أذهاننا مدى عظمة التضحية وعمق الفداء الذي قدم للبشرية في هذه الملحمة الخالدة من دروس وعبر وتجارب أغنت العالم ببحوثها، وتشكيلييها برسم ملامحها وكتابها بكل ما تفهمه وتدركه الأجيال من بعد ذلك، هذا ما تحدث به الباحث في الشؤون الدينية فاهم الابراهيمي والذي أثنى على أصحاب المواكب والتعزية بما قدموه من تسهيلات لكل المعزين بالذكرى الأليمة، وقال: كل ما كان لله ينمو، ولأن تجديد العهد والذكرى لاستشهاد أبي الاحرار والبذل في سبيل إحياء المناسبة سيكون في ميزان الحسنات، فمقام الحسين عند الله عالٍ، فالذي ضحى وأفنى عمره وأهل بيته وصحبه في سبيل الدين ونبذ الطغيان والظلم، لهو خير البشر ويستحق منا كل العرفان، وشهادته منحت العالم معنى التضحية وإعلاء كلمة الحق ودحر الباطل، و ما أحوجنا اليوم إلى التمسك بخطى الإمام الحسين عليه السلام وقيمه النبيلة، وهكذا تتجدد في المؤمنين كل عام روح الإيمان والتقوى، وعزيمة القيم والمبادئ التي أرساها الحسين وأهل بيته الكرام، وتتجدد فيهم كل صفات الخير، فتزداد الأمة صلابة وقوة حتى في أشد المحن والظروف، فلنحيي شهر محرم ويوم عاشوراء بتجديد الولاء والحب لآل البيت ونرسخ حبهم ونعزز الدروس القيمة في النفوس.