غيداء البياتي
قرأت بإمعان وأكثر من مرة واحدة قوله تعالى «إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم» في «سورة التوبة»، فعرفت أن الله تعالى جعل لنا مواسم للبركة والمغفرة يزداد فيها
الإنسان قرباً إلى الله فيتوب العاصي عن معصيته ويتوقف الظالم عن ظلمه للناس، وخص الله تعالى أربعة أشهر حرم، وهي: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، مؤكداً فيها الابتعاد عن الظلم سواء للنفس أو للغير، فمن أبكى أحداً ظلماً سيبكيه الله قهراً، لأن الله تعالى يمهل
ولا يهمل.
الحقيقة أننا نشهد يومياً حالات تجسد الظلم، فنراها أما في الشارع أو بمكان العمل أو حتى في المنزل أحياناً، بين الإخوة والأخوات، وربما نشاهدها في أحد مواقع التواصل الاجتماعي ومن تلك الحالات إجحاف صاحب الملك للمستأجر الضعيف الحيلة سواء كان لمحل تجاري أو منزل يقيه حر الصيف وبرد الشتاء ويستره مع أسرته، وهذا النوع يعد من أكثر أنواع الجور شيوعاً اليوم وأكثرها دماراً وفتكاً بالفقراء، لا سيما الشباب من أصحاب المهن البسيطة الذين يبحثون عن عمل حر يحفظ ماء وجههم من الإراقة، فيصدمهم صاحب الملك بمبلغ الايجار، أو يجتهد «الملاج» ظلماً وعدواناً، فيرفع بدل الايجار على المستأجر ما يضطره إلى تغيير مهنته أو غلق محله.
ما أريد قوله هو أننا اليوم نشهد شهر الله المحرم وهو أول الأشهر الهجرية التي عظمها الله تعالى، وشرف أيامه من بين سائر الشهور، لذا فعلينا جميعاً مراجعة أنفسنا ودواخلنا وتزكيتها، بل وحثها على التقوى والإيمان الحقيقي، وعدم ظلم الآخرين، والأهم من ذلك العدل مع النفس والغير والابتعاد عن أذى الناس، سواء بالعمل أو بالكلام، لأن الاسلام من سلم الناس من يديه
ولسانه، فالسعيد من اغتنم هذه الأيام المباركة وملأها بعمل الخير والتعاون وابتعد عن ضيم الناس، فالعمل الصالح في أيام الأشهر الحرم أعظم أجراً، والظلم فيهن أعظم من الظلم في سواهن، فسارع إلى جنة عرضها السماوات والأرض وجنب نفسك نارًا تلظى لا يصلاها
إلا الأشقى.