ذو الفقار يوسف
يراقب صابر بدقة كل من يمر من أمامه، لا شيء يتحرك إلا وقد وقع تحت نصب عينيه، بتركيز عالٍ يلتقط كل ما يحدث، وبحوار من طرف واحد يتحدث مع الجميع بابتسامة لا تنضب، بطموح لافت من قبل شاب عشريني تخرج الأمنيات من مسامات جلده، فصابر من أولئك الذين يعطون لكل عمل حقه، يبتكر غير المألوف ليجعل كل من يراه ينجذب نحوه، باندفاع وتهور محبذ، «لا أبالي فبعضهم يصفني بالطائش»، يقول ذلك بأعلى صوته لعلهم يسمعونه، يختفي بين اللحظة والأخرى، وعندما يظهر فكأنه طاووس قد جدد ريشه الملون، نشيط إلى الحد الذي يجعلك تظن بأنه يطفو فوق الأرض، وعندما تحدثه فإنك وبلا وعي ستنظر إلى عينيه مباشرة، وعندما تفعل ستجد كما يجد كل من رآهما، الأحلام، نعم، سترى الكثير منها في جوف هاتين الكرتين الصغيرتين، أما راحتاه فتحملان أثمن الأشياء في الكون، ومع كل ذلك فهو يكرم كل من مر به ويزيد على ذلك بابتسامته التي تجعلك تقول حينما تراها بأن الحياة ما زالت جميلة، لا يفرق بين ألوان الناس، لا يعرف تلك العنصرية البشعة، وكلمة الطبقية لا توجد في قاموسه، فوق ذلك فإنه سيد المواسم، لا صيف يغلبه، ولا شتاء يستطيع أن يهزمه بسلاح البرد، وعندما يتعلق الأمر بيفعانه فصابر سيد الحركات، كأنه نجم هوليوودي صاعد وبقمة ظهوره، يقفز كالغزال تارة، ويحرك جسده كما يريد مثل ذيل طائرة ورقية تلاعبه الريح تارة أخرى، صابر يحب المساء، لكنه يحب الصباح أكثر، «إنه يجعل الناس تراني بوضوح»، يقول ذلك وهو يمزج الحروف مع ضحكة نضرة والتفاتات كأنه يرى العالم لأول مرة، يساوم كل نظرة من عينيه لهذا العالم باندهاشه المستمر للموجودات، ولا يعتريه الملل إذا تكررت المشاهد أمامه، فحسب قوله «أنا محب للتفاصيل الصغيرة، وإذا أعطيت لكل الأشياء أهمية سيظهر جمالها الحقيقي، كأنها قد خلقت الآن»، ينشر صابر كل ما يشعر به في الأجواء بثقة المؤمنين، ويريد أن يبعث بذلك رسالة لكل من يراه، ليعرفه الناس أجمع، وعندما يحين وقت رحيله، يختتم يومه بجملة على مسامع كل من يقابله وهو مبتسم «الماء الذي أبيعه بارد، اشتري مني ولن تندم، سأكون هنا في صباح يوم غد.