دفاعاً عن الروحانيَّة النبيلة

آراء 2024/07/15
...

 رعد اطياف

تدفعنا العادات، وبضراوة أحياناً، للدفاع عن معتقداتنا. أمّا الموضوعية أوالمنطق السليم تأتي في آخر السلم، فـ «لون الماء لون إنائه» لذلك، يستثمر الكثير عدوانيتهم المكبوتة تحت ذريعة الدفاع عن الحق. ثمة نزعة «تأويلية» تحاول شرعنة أهوائها العنيفة وإضفاء مسحة دينية عليها، والحجة دائماً حاضرة: الدفاع عن العقيدة.

في الحقيقة لا تدافع عموم الناس عن عقائدها الدينية أو الدنيوية حباً بالمبادئ الخالصة، بقدر ما تدافع عن عاداتها المتأصلة، والمنطق القرآني يدعم هذه الحقيقية «وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلا وَهُمْ مُشْرِكُونَ». 

يكفي أن تكون معتاداً لكي تبدي شراسة كافية عمّا اعتدت عليه.

 من هنا يمكن فهم علّة السلوك السلبي للبعض حين يدافعون عن معتقاداتهم ويتورطون بردود متطرفة لا تعكس العمق الروحي لتديّنهم بقدر ما تعكس هوياتهم الشخصية ومعتقداتهم الشعبية. 

وعادة ما يتم الخلط بين المعتقدات الشعبية وبين الطقوس الدينية المحضة. 

ذلك أنه من الصعب للغاية الفصل بين الاثنين. 

ليس المشكل في الطقس الشعبي بذاته، وإنما المشكل حين يتحول في المستقبل إلى جزء لا يتجزأ من الدين! وبمرور الزمن ترتفع من أجله نبرة التبجيل ويدخل في عداد المقدس. 

والتطرف أحد الأشكال المثيرة للقلق أن يأتي اليوم التي يتم إدراجها ضمن أدبيات التقديس.

بعض ممّن يلهجون بحب الأئمة، على سبيل المثال، يبالغون كثيراً بعواطفهم كما لو أنهم يترجمون عاداتهم الشخصية الموروثة من بيئتهم الثقافية؛ فالمناخ القبلي ينتج أعراضه الخاصة، التي تميل عادة إلى السلوك العاطفي المفرط، لدرجة أنه يصعب عليك التفريق بين السلوك الديني المحض وبين السلوك القبلي، كما لو أنه مُقَدَّر للدين أن يمتزج بالثقافة التي يتواجد فيها.

على أي حال، يمكن لشيوخ المنابر العمل على تثقيف الناس في المناسبات الدينية للحد من أي تطرّف ممكن بحجة حب الأئمة وإظهار البعد الروحي المحض للدين.

أيّاً ما يكن الأمر، إن المغالين يحاولون إضفاء طابع شرعي على تلك «المحبة» المزعومة. 

ويحاول البعض تزويق ذلك الجنون عبر التلاعب بالكلمات ـ ولا يمكنك أن تنتظر جواباً ينطلق من حكمة وموعظة حسنة، وإنما ستُجابه بأهواء عنيفة، واتهامات تخرجك من الملّة.

وبطبيعة الحال مثل هذه الأهواء لا تراعي في ردودها الحد الأدنى من الورع والتقوى والسلوك الرحيم، بقدر ما تجد الفرصة سانحة لإظهار عدوانيتها. 

وهذا المنطق كافٍ لكشف الإنسان المتدين، الإنسان الباحث عن معنىً لحياته، وبين من تستهويه الطقوس الشعبية فحسب. 

وبحسب فهمي لمعنى المحبة: أن يكون المحب متأسياً بمحبوبه فكراً وسلوكاً، وما عدا ذلك فهو يشكّل أكثر من علامة استفهام وتعجّب، وقد يتحول إلى تبريرٍ للغلو، وانتصارٍ للعادات الشخصية على حساب السلوك الروحي النبيل.

إن الكثير من الفئات الشعبية لا تفرّق بين التدين الحقيقي وبين النشاطات الشعبية العامة، فلا مشكلة لديهم في التدين طالما يغازل عاداتهم المتأصلة.

 أعرف أن المتعصبين لو تجلّى لهم الله على شكل قضية برهانية لأنكروها، ولو أنطق لهم الحجر بعقم افكارهم لما استطاع أن يغير شيئا من قناعاتهم الراسخة، بل ستجابه بأهواء عنيفة، ففي كثير من الأحيان تصطبغ عادات الناس العنيفة بأنبل المعاني؛ فما عاد التمييز بين الديني أو الدنيوي يشكّل فارقاً مهماً.. أنهم متضامنون من هذه الناحية. 

وبعد أن تنفست الناس حرية المعتقد، التي كانت محرمة من قبل دكتاتورية نظام صدام، وباتت الطقوس الدينية متاحة للجميع، يحسن بنا، بين الحين والآخر، تسليط الضوء على بعض السلوكيات السلبية للرجوع إلى المعنى الأصلي للطقس وهو الطمأنينة الروحية وإنتاج المعنى في ما يخص الفرد المتدين.