اذا كان الناس يتذكرون أي شيء عن المتحف العراقي فهو على الأرجح الصور المتلفزة لنهبه عام 2003 بينما اكتفت القوات الأميركية بالمشاهدة. التماثيل التي استعصت على النقل بسبب ثقل وزنها ضربت قواعدها، وتحولت أكتافها الى مسحوق، وتحطمت العلب الزجاجية أما محتوياتها فسرقت أو رميت أرضا.
عندما سرق أحدهم مزهرية الوركاء وهي من أثمن الأعمال الفنية للمتحف فقد خسرنا جزءا من تاريخ البشرية، حيث تعود نقوشها الى خمسة آلاف سنة مضت وتظهر زراعة سكان وادي الرافدين القمح والفواكه آنذاك ونسجهم للقماش وصنعهم الفخار. ينطبق الأمر نفسه على قيثارة أور الذهبية، وهي أداة موسيقية عمرها 4500 سنة مرصعة بالذهب والفضة والعقيق.
أعيد افتتاح المتحف عام 2015 بعد ترميم مهتمين بالآثار بعض الأضرار وتقديم دول أوروبية المساعدة باستعادة صالات عرض كثيرة. وعلى الرغم من فقدان 15000 عمل فني، لكن المتحف ما يزال ممتلئا بمجموعات استثنائية.في إحدى قاعات المتحف جيدة الاضاءة هناك كائنان مهيبان من المرمر يبلغ طولهما نحو أربعة أمتار لكنهما يبدوان أطول من ذلك بسبب وضعهما على قاعدة حجرية. هيئة الكائن الواحد منهما على شكل وجه رجل ملتحِ وأربع أو خمس سيقان وجناحي نسر وجسم وذيل ثور. عرف الكائنان بإسم “الثور المجنح” في اللغة السومرية القديمة، ويعتقد أنهما حارسان روحيان ولذلك وضعا عند بوابات المدينة ومداخل القصر وعتبة غرف العرش.
يراقب الكائنان داخل المتحف قاعتين طويلتين من الإفريز أظهرت سكان وادي الرافدين القدماء وهم يحملون الجزية أو يسيرون بجانب خيولهم المنحوتة بدقة مع أجنحة ذات عضلات ولجام دقيق. نجت الأفاريز والثيران المجنحة من أعمال النهب بسبب وزنهما الثقيل.
يعرف مؤرخو الفنون وعلماء الآثار مدى خصوصية هذه المجموعة، لكن مع الوضع الأمني المستقر في بغداد لم تتحول المدينة أو المتحف الى وجهة للعراقيين ناهيك عن الأجانب. يقول كريستوفر وودز مدير معهد الشرق بجامعة شيكاغو الذي زار المتحف مؤخرا: “هناك أشياء لا توجد في أي مكان آخر من العالم، وخصوصا بدايات تاريخ وادي الرافدين. هذه مجموعة منهجية.”ذكر وزير الثقافة عبد الأمير الحمداني أن التحدي الحالي يتمثل بتسهيل وصول العراقيين الى المتحف بأكبر قدر ممكن، اضافة الى محاولة استعادة القطع المسروقة (أعيدت بالفعل 4300 قطعة منها)، وأضاف: “وجهت المتحف بفتح أبوابه يوميا وطلبت السماح بدخول طلبة المدارس والجامعات مجانا” علما أن الحمداني تلقى تدريبا بعلم الآثار ونال الدكتوراه من جامعة ستوني بروك في
ولاية نيويورك.
مع ذلك، يقول الوزير أن من الصعب جعل الزائرين وخصوصا الشباب يشعرون بارتباط المتحف مع حياتهم. بينما ازداد عدد الرحلات المدرسية الى المتحف مقارنة بالماضي، لكن لا يتوفر العدد الكافي من المرشدين أو الإرشاد الصوتي وندرة المساعدات السمعية البصرية. ويندفع الأطفال عند دخولهم المتحف ويتوقفون لملامسة الثور المجنح أو تماثيل أخرى ومن ثم يصطدمون بها.
تعود أقدم قطع المتحف الى سنة 4000 قبل الميلاد، وهذا يسبق السفن التي وصفها هوميروس عند ابحارها في بحر إيجة أو كتابة العهد القديم بأكثر من ثلاثة آلاف سنة. يقول باولو بروساسكو، عالم آثار ومؤرخ فني بجامعة جنوة وعمل كثيرا في شمال العراق: “الأمر المدهش جدا في المتحف العراقي هو الامتداد الزمني الذي يغطيه، بدءا من العهد الآشوري وصولا الى العهد العثماني.”
ينص القانون العراقي الحالي على بقاء كل شيء يكتشف في العراق داخل البلاد، ويعني ذلك استمرار مجموعة المتحف بالنمو طالما أن هناك 13 ألف موقع آثري داخل البلاد وعدد من عمليات الاستكشاف المستمرة، كما قال
وزير الثقافة.
لكن التحدي الأكبر الذي يواجه الوزير هو معرفة كيفية انشاء ثقافة التعلم حول المتحف. ويذكر الدكتور علي النشمي أن لا نهاية للماضي في العراق، حيث شيدت المدن فوق
بعضها البعض.
صحيفة نيويورك تايمز