أبلغ شهادة في تاريخ الإنسانيَّة

ريبورتاج 2024/07/22
...

 بشير خزعل

تعدُّ ثورة الإمام الحسين (ع) نهضة إسلاميَّة وإنسانيَّة جديرة بالاهتمام والإحياء، هذه الذكرى العظيمة أصبحت فعلاً تاريخياً نهض من أجل كرامة الإنسان وتكامل سموه، الاحتفاء بالرموز والشخصيات العظيمة لا يعفي الإنسان من مسؤولياته في الحياة، فلا يكفي أنْ نمجد في الرمز أو الشخصيَّة العظيمة أو نكن لها الحب والتقدير، بل ينبغي أنْ تتحول تعاليم ذلك الرمز أو الشخصيَّة إلى واقعٍ ملموسٍ في حياتنا، وهذه هي الطريقة الصحيحة للإحياء.
فحبنا للإمام الحسين (ع) وتقديرنا لشخصيته ينبغي أنْ يقودنا إلى تلمس الأدوار الأخلاقيَّة والحضاريَّة التي انطوت عليها تلك الشخصيَّة التي سطرت ملاحم فكريَّة وبطوليَّة على مر التاريخ.
يوم عاشوراء هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم وله فضلٌ عظيمٌ إذ إنَّه اليوم الذي نجى فيه الله تعالى موسى وقومه من ظلم فرعون وأغرقه وقومه في البحر، وقد كان يصومه موسى "ع" حتى يشكر الله على نعمه، وقد كانت العرَبُ تعَظِّمُه في الجاهليَّة، وكان يسمَّى بشهرِ اللهِ الأصَمِّ، فقد حرم فيه القتال على المسلمين، لقد غيرت عاشوراء مجرى التاريخ، وفتحت آفاقاً مشرقة للوقوف بوجه الظلم والطغيان.
ولا شك أنَّ الإمام الحسين "ع"، هو حامل راية الإسلام المحمدي الأصيل الذي أظهر أنَّ الإنسان الحقيقي لن يطأطئ هامته أمام الظالم.
إنه قمة من قمم أهل بيت النبوة "ع" السامية، الذي لم يتوان لحظة واحدة في جهاده أمام اليزيديين والذي أدهش العالم بمواقفه المبدئيَّة وتضحياته وتفانيه.
حقاً شهر محرم الحرام هو شهر الملحمة والشجاعة والشهامة ورمز لمقارعة الظلم والاستكبار.
ولقد ألهبت ملحمة عاشوراء الخالدة عواطف الأحرار في كل مكان، ودفعتهم إلى النضال في سبيل تحرير المجتمعات من نير العبوديَّة والذلّ، وإنقاذها من الحكم اللامشروع.
معركة كربلاء وتسمى أيضًا واقعة الطف، هي معركة وقعت على ثلاثة أيام وختمت في 10 محرم سنة 61 للهجرة والذي يوافق 16 من تموز681 م، وكانت بين الحسين بن علي بن بي طالب (ع)، ومعه أهل بيته وأصحابه، وجيش تابع ليزيد بن معاوية بقيادة عمر بن سعد بن ابي وقاص.
تعدّ واقعة الطف من أكثر المعارك جدلًا في التاريخ الإسلامي فقد كان لنتائج وتفاصيل المعركة آثارٌ سياسيَّة ونفسيَّة وعقائديَّة لا تزال موضع جدل إلى الفترة المعاصرة، إذ تعدّ هذه المعركة أبرز حادثة من بين سلسلة من الوقائع التي كان لها دورٌ محوريٌّ في صياغة طبيعة العلاقة بين مذاهب المسلمين عبر التاريخ وأصبحت معركة كربلاء وتفاصيلها الدقيقة رمزاً للشيعة ومن أهم مرتكزاتهم الثقافيَّة وأصبح يوم العاشر من محرم أو يوم عاشوراء، رمزًا لثورة المظلوم على الظالم ويوم انتصار الدم على السيف.
تركت المعركة آثاراً سياسيَّة وفكريَّة ودينيَّة مهمَّة، وأصبحت عاملًا مركزيًا في تبلور الثقافة الإسلاميَّة وأصبحت المعركة وتفاصيلها ونتائجها تمثل قيمة روحانيَّة ذات معانٍ كبيرة لدى المذهب الشيعي على وجه الخصوص وباقي المذاهب الإسلاميَّة الأخرى وحتى غير الإسلاميَّة، فالكثير من المفكرين في الغرب والشرق يعدون معركة كربلاء ثورة سياسيَّة ضد الظلم.
أدى مقتل الإمام الحسين (ع) إلى نشوء سلسلة من المؤلفات الدينيَّة والخطب والوعظ والأدعيَّة الخاصة التي لها علاقة بحادثة مقتله وألفت عشرات المؤلفات لوصف حادثة مقتله، فواقعة الطف تحمل معاني كثيرة في التضحية والحق
والحريَّة.
لا غنى للإنسان في هذه الحياة عن اتخاذ الرموز والقدوات على طريق التكامل، فإحياء ذكريات العظماء من أجل التأسي والتتلمذ وأخذ العبر والدروس والاستفادة من عطاءات الشخصيات المهمة على مدى التاريخ لا سيما في قضيَّة وشخصيَّة مهمة كشخص الإمام الحسين (ع)، فهو إحدى تلك الشخصيات الخالدة، هو ذلك الرمز الذي يمثل بالنسبة لنا – وللإنسانيَّة جمعاء مشعل هداية، وأعطى وما زال يعطي دروساً حيَّة في رفض الظلم والسعي إلى مقاومته وإحلال العدالة والمساواة، لا يعدُّ إحياء ذكرى هذه المناسبة الأليمة ضرباً من ضروب التخلف كما يراها البعض، بل هي ممارسة حضاريَّة لأنها تهدف للارتقاء بالإنسان والسمو به.