أدب نيبور السومريَّة

ثقافة 2024/07/25
...

  أثير الهاشمي


العراق بحاجة إلى التمعّن بعيونٍ جمّة لاستثمار التأريخ، من أجل الحاضر والمستقبل، لما يحمله من إرث يرقى عالميا إلى أن يكون تاريخه مميّزا.

لم نزل نكتب عن تهميش تاريخنا بألم، وبصورة مختلفة عن مّا يكتبه علماء وخبراء العالم عن حضارة العراق القديمة، فهم يكتبون بتعجب، ويحاولون دراسة كل ما يتعلّق بتأريخ العراق ومنها مدينة نيبور بل لغاية الآن هم يَدْرسون، ويدرّسون كلّ ما يتعلّق بنيبور، ويكتبون عنها، ويفتخرون بها كإرثٍ حضاري مميز.

هذا ما اطّلعُ عليه في كثير من الأحيان عبر قراءة  صحف أو مجلات تُعنى بالتأريخ والثقافة والسياسة، أو متابعة محاضراتهم المنشورة على تطبيق "اليوتويوب"، وهم يُناقشون التفاصيل بشغف عال. لذا كانوا دائما ما يحاولون زيارة مدينة نيبور، واكتشاف غير المكتشف منها، والمفارقة أن الجانب الأيسر من المدينة لم يُنقّب لغاية الآن، إذ يُتوقع أنه يضمّ الآثار الثمينة والأسرار المميزة، فضلاً عن مزيد من نصوص خُطّت بلغتها القديمة كل من الأدب والعلوم المختلفة.

حاولت قراءة العديد من الدراسات الأجنبية، التي فصّلت القول عن مدينة نيبور الأثرية، والملفت للنظر، أن منها ما اختصّ بالجانب اللغوي لمدن العراق التأريخية، مثل "بابل ونيبور ونمرود" وكتاب "معجم بابل اللغوي"، ومنها ما أهتم بالأدب.

فحاولت جمع النصوص الأدبية التي عُثر عليها في تلك المدينة مثل "قصائد، وترانيم، وقصص، وحوارات" وغيرها تحت مُسمى "معجم نيبور للأدب" باللغتين العربية والإنكليزية على أمل أن يكون دليلاً للسائح العراقي والعربي والأجنبي.

اهتم الدارسون الأجانب أيضا بالمجالات الأخرى غير اللغة والأدب، كالعلوم المختلفة من "الطب وعلم الفيزياء وعلم الكيمياء وعلم الجغرافية" وغيرها، إذ وجدت النصوص التأريخية  في نيبور التي تُثبت ذلك، ولم تزل بقايا نصوصها موجودة في المتاحف.

كانت أحاسيس هؤلاء الكُتّاب الأجانب "الذين كتبوا عن مدينة نيبور" تنم عن وعي كامل بما يُكتَب، ويُقدَّم من معلومات، وآراء وتجليات عامة وما تتضمنها تلك المدينة الأثرية من كنوز ثمينة بكلّ تفصيلاتها.

أما نحن، فإحساسنا يختلف تماما عنهم، إحساسنا يتمثل بما نراه في عيونهم من إعجاب، ودهشة، وشغف، في دراستها، والخوض في تفاصيلها.

وثمة أسئلة وجدتها في كتاباتهم وحواراتهم، ممزوجة بالتعجب! والتي يمكن تلخيصها بالآتي منها: كيف لحضارة كبيرة مثل نيبور أن تُطمر وتُدفن تحت الأرض وأهلها غير مبالين لشيء من قيمتها وكنوزها؟ ولماذا لا تهتم الدولة بتلك المدن الأثرية على وفق خطط مدروسة؟ ولماذا لا نجد ما يُثير المجتمع عن تلك المدن الأثرية؟ 

 ثم السؤال الذي نطرحه نحن: لو افترضنا أن مدينة نيبور الأثرية مكانها في بقعة من عالمهم، ماذا سيحدث لها؟ وما الاهتمام المتجسد فيها من قبلهم؟  

ربما نجد مدينة أخرى، مختلفة في تفصيلاتها، مبهرة في تشكيلاتها، مميزة في شواخصها، غير مهملة بكلّ مرافقها، علينا أن نتخيلها، نتخيل صرحها كيف سيكون؟ 

وثمة سؤال مهم، يكون جوابه معالجة صحيحة للواقع المهمل لتلك المدينة: هل نستطيع الاهتمام بمدينة نيبور؟ شريطة أن يكون البناء بصورة صادقة، وأن تكون الشركات الراعية أجنبية؛ لأنْ تكون مزارا تاريخياً، نفتخر به أولاً، ويكون إرثا مميزا ثانياً، ومن ثم يصير مكسباً ماديا ثالثاً. هذا السؤال يحتاج إلى إجابات مفعمة بالصدق والوعي، لا قراءته من دون فعل

أو جواب.