محمد علي الحيدري
بعد سقوط نظام بشار الأسد، أصبحت سوريا ميداناً مفتوحاً لتصارع التيارات الأيديولوجية والمسلحة. وبينما تثار مخاوف من انتشار السلفية الجهادية والتشدد، يبدو أن الواقع يهيئ فرصاً حقيقية لتحول سوريا إلى بؤرة جديدة لتصدير هذا الفكر، خاصة مع وجود حركات مسلحة ذات جذور عميقة في تنظيمات مثل القاعدة وداعش، وعلاقات متشابكة مع قوى متطرفة مثل طالبان.
الجماعات السلفية الجهادية في سوريا، التي برزت خلال سنوات الحرب، استفادت من الفراغ الأمني وانهيار المؤسسات، لتجد في البلاد أرضاً خصبة لتجميع عناصرها. والعديد من هذه الجماعات لديها خبرة تنظيمية وعسكرية، وبعضها يمتلك علاقات قوية مع تنظيمات جهادية دولية، مثل تنظيم القاعدة، وداعش، وحركة طالبان. بل إن العلاقة مع طالبان، على وجه الخصوص، تضيف بُعداً استراتيجياً لهذه الجماعات، حيث قد توفر لها ملاذات آمنة، دعما لوجستيا، أو حتى مساحة للتنسيق العملياتي في مناطق أخرى من العالم.
من الناحية الفكرية، توفر البيئة السورية الراهنة مجموعة من العوامل، التي يمكن أن تسهم في تعزيز نفوذ السلفية الجهادية.
أولاً، الانقسامات الطائفية والمجتمعية الحادة، التي جعلت قطاعات واسعة من السكان تشعر بالتهميش والاضطهاد، تقدم تربة خصبة لتبني الفكر الجهادي، الذي يروّج لنفسه كبديل عادل وقوي في مواجهة الطغاة.
ثانيًا، الإرث الثقافي والرمزي للحرب في سوريا، التي أصبحت رمزاً في الأوساط الجهادية للصراع ضد القوى الكبرى، يعزز جاذبية السلفية الجهادية لدى الشباب المتطرف في أنحاء العالم.
أما على المستوى الدولي، فقد تُستخدم سوريا كنقطة انطلاق لعمليات خارجية، مستفيدة من ضعف الرقابة الأمنية وتعقيد الوضع الجيوسياسي. كما أن علاقات الجماعات السلفية الجهادية مع شبكات دولية توفر لها سهولة في التنقل بين مناطق الصراع، فضلا عن أن البيئة السورية تتيح لها تجنيد عناصر جديدة، خاصة من الشباب، الذي فقد الأمل في الحلول السياسية أو الاستقرار.
من جانب اخر فإن الدعم الإقليمي لبعض الأطراف يزيد من فرص هذه الجماعات في تحقيق نفوذ واسع. فهناك دول تسعى لتحقيق مصالحها الاستراتيجية عبر دعم فصائل بعينها، حتى لو كانت أيديولوجياً قريبة من القاعدة أو داعش. وهذا الدعم، سواء كان مباشراً أو عبر وسطاء، يمنح السلفية الجهادية الموارد اللازمة للبقاء والنمو.
ومع ذلك، ورغم هذه الفرص، تواجه هذه الجماعات تحديات داخلية وخارجية. فالانقسامات الفكرية والتنظيمية بين الفصائل السلفية الجهادية تقلل من قدرتها على تشكيل تحالفات قوية أو جبهة موحدة. إضافة إلى ذلك، فإن القوى الإقليمية والدولية التي عانت من تداعيات صعود داعش، ستسعى لاحتواء هذه الحركات ومنع تكرار سيناريوهات مماثلة.
على المدى البعيد، فإن سوريا ما بعد الأسد قد تشهد تحولاً خطيراً إذا لم تتم معالجة الأسباب الجذرية التي أدت إلى صعود السلفية الجهادية، مثل الطائفية، الفقر، وغياب الدولة. لكن ومع وجود هذه الجماعات ذات الخبرة والعلاقات القوية، فإن فرص انتشارها دولياً تظل قائمة، مما يجعل الموقف في سوريا جزءاً لا يتجزأ من الأمن الإقليمي والدولي.