{العراق أولاً}.. من شعار إلى خطَّة عمل

آراء 2025/01/12
...

 مجاشع التميمي

وإن لم يذكره بصريح العبارة، إلا أن ترسيخ هذا المفهوم، وتحويله من شعار إلى واقع، بدا واضحاً في التحركات الأخيرة لرئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، الذي يسعى جاهداً للانتقال بالبلاد إلى مرحلة جديدة تواكب التغيرات الجيوسياسية وتعالج التحديات التي تواجه المنطقة.

خطوات رئيس الحكومة، السيد السوداني، بدأت تتضح أكثر من خلال زياراته الإقليمية واتصالاته الخارجية، إذ يسعى بشكل جاد لتقديم المصلحة الوطنية على جميع المصالح الأخرى. هذا التوجه يحظى بدعم واسع من أغلب القوى السياسية الوطنية ويعززه تأييد المرجعية الدينية والسلطات الدستورية.

وفي هذا السياق، نستذكر دعوة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني في لقائه مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في العراق، محمد الحسان، في تشرين الثاني الماضي. حيث شدّد السيستاني على ضرورة أخذ العِبر من التجارب السابقة والعمل جاهدين لتجاوز إخفاقاتها. وقد أكد المرجع الأعلى أهمية إعداد خطط علمية وعملية لإدارة البلد، تبدأ من اختيار أصحاب الكفاءة والنزاهة في تولي المناصب القيادية، مع التأكيد على منع التدخلات الخارجية بمختلف صورها، وتحكيم سلطة القانون، وحصر السلاح بيد الدولة، ومكافحة الفساد في جميع المستويات.

لقد وصلت الرسائل إلى القوى السياسية كافة، التي بدأت تدرك حجم الخطر الذي يهدد الأوضاع الراهنة وتأثيره الكبير على استقرار البلاد، فيما كانت الحكومة أول من بادر بتحمل مسؤولياتها القانونية والدستورية لحماية المصالح العليا للبلاد، في ظل نظام سياسي يعد من أحدث الأنظمة في المنطقة، وقد أثبتت التجارب الماضية الحاجة الماسة إلى إصلاحه وإعادة بناء الثقة به. جوهر هذا النظام هو التبادل السلمي للسلطة كما نصت عليه المادتان (5) و(6) من الدستور، وهو مبدأ أساسي يضمن استقرار الدولة ويحفظ توازنها السياسي. وبالتالي، فإن العمل على إصلاح هذا النظام وتطويره بات ضرورة ملحة لضمان المستقبل السياسي والاقتصادي للعراق، خصوصا في ظل الظروف الراهنة، التي تتطلب معالجة جذرية للأزمات التي تواجهها البلاد. رئيس الوزراء تحدث أكثر من مرة على ضرورة إعادة الثقة بالنظام السياسي، وهذا لا يتم الا من خلال تقديم المنجز على أرض الواقع وخاصة تقديم الخدمات ومعالجة الازمات التي تواجه الدولة برمتها، لذلك وصل الشعور بالخطر للقيادات في السلطات كافة ومنها السلطة القضائية، اذ أصدر رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان الشهر الماضي بياناً أكد فيه أنه يجب أن يكون الموقف العراقي من تطورات الوضع في سوريا على وفق مبدأ "العراق أولا" وأنه يجب وضع مصلحة العراق فوق أي اعتبار والتعامل مع الوضع القائم في سوريا على هذا الأساس.

لذلك فإن الإصلاح ومعالجة أزمات العراق يجب أن يكونا ذاتيين ومن الداخل، وليس مفروضين من الخارج، لأن الإمكانات متوفرة والرؤية باتت واضحة خاصة بعد خريطة الطريق التي قدمتها المرجعية والنخب السياسية والواعية المثقفة، فضلا عن ذلك فأن أي مُراجعة يجب أن يكون شمولي الطابع بحيث تعالج كل الازمات، وأن يحمل في طياته صفة الاستمرارية بما يلبي مصلحة العراق وطموح شعبه.

لذلك رؤية رئيس مجلس الوزراء واضحة في المعالجة وتجنيب العراق المخاطر، رغم أن ذلك قد لا يرضي بعض الفواعل الإقليمية، لان ليس من مصلحتها وجود عراق مؤثر في المنطقة وعودة الحياة إلى العجلة الإنتاجية وتشجيع الاستثمار والتي بدأت ملامحها تلوح للناظر حتى صار خفاؤها مثل علانيها، يعرف الناظر والسائل، والغريب والقريب بما حصل من تقدم وان كان ليس بالمستوى الذي يطمح له الشعب.

الطريق إلى الإصلاح ليس سهلاً، بل يتطلب ركوب الصعاب في مواجهة القضايا الشائكة التي لا يمكن تجاهلها. هذه القضايا، التي نبهت عليها النخب المثقفة والمرجعية الدينية والمجتمع الدولي، هي نتاج للأزمات الداخلية التي تفاقمت خلال السنوات الماضية، وأصبحت واقعاً مفروضاً لا مفر من معالجته. ولذلك، فإن الحلول التي سيعتمدها السيد السوداني وفريقه يجب أن تكون شجاعة وواقعية، وأن تتسم بالقدرة على مواجهة التحديات المستمرة والمستعصية.

النجاح في تحقيق هذه الأهداف، لم يعد صعب المنال، فهي بمثابة خارطة طريق يمكن أن تسهم في تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية في العراق، في ظل الالتزام بتنفيذ الخطط والإصلاحات التي تتماشى مع تطلعات الشعب العراقي.