عالية طالب
كثيرا ما اشرنا الى ان حجم المؤلف العراقي الرصين يمثل نسبة مميزة يمكن الاستفادة منها سواء للعمل السينمائي أو التلفزيوني، ولا يعوزنا كتاب سيناريو ليتمكنوا من تحويل الحدث الورقي الى حدث متحرك ملموس، بالاضافة الى أهمية الاعمال المكتوبة وهي تتناول الواقع العراقي بكل متغيراته السياسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية.
المسلسل التلفزيوني هو مرآة عاكسة للواقع المجتمعي ، وهو رسالة اجتماعية تحقق اهدافها تماما في تصدير تجارب وتسليط الضوء على الفعل السلبي والايجابي وأهمية التفاعل الموضوعي مع الاحداث بقصد استخدام التجربة المعروضة كدرس اجتماعي واخلاقي توعوي يرتقي بالمجتمع وهو يؤشر السلبيات دون اسلوب النصح والخطابة والهتافات والتوجيه القسري.
هناك مسلسلات عالمية يمتد عرضها لسنوات وقد يتغير خلالها الممثل والمخرج والمنتج لكنها تستمر بالانتشار والقوة الفنية والدرامية ، وهو ما حصل مع المسلسلات الكوبية والتركية والتي اختلف مضمونها الدرامي وجودته عن المسلسل التلفزيوني الاميركي الذي حمل عنوان “ الضياع” ، حيث وصل تعداد حلقاته الى 121 حلقة ابتدأت منذ عام 2004 لينتهي في عام 2010 ، ولم يكن موضوعه الحب والغرام والانتقام بل كان يجمع ما بين الثنائيات المجتمعية الانسانية والفلسفية والاساطير والحكايات المروية لمدن الشرق والغرب .
وان كان المنتج الغربي يؤمن بالامتداد الزمني للانتاج التلفزيوني دون التخلي عن التشويق والاثارة وشد انتباه المتلقي فأن المنتج الشرقي والعربي بالتحديد يكتفي بثلاثين حلقة على اكثر تقدير وقد يمتد لاجزاء ثلاثية بحالات استثنائية لكنها غالبا لا تحقق مستويات النجاح الدرامي المميز لكل منها.
الرواية العراقية تشهد نموا عدديا مميزا ونحن هنا لا نتحدث عن الروايات غير المستوفية لشروطها الفنية ، وياتي الاهتمام بالرواية ضمن الواقع العربي وتوجهاته السردية اليوم والتي يمكن ملاحظتها من خلال المشاركات بالجوائز العربية والعالمية ، وقد بلغت بلغت نسبة المشاركة في جائزة “كتارا” للرواية العربية في دورتها الخامسة لهذا العام 1850 مشاركة، منها 573 مشاركة من العراق والشام، وهذا يعطينا شروعا في السؤال العربي الكبير ما حصة تحويل هذه الاعمال الى السينما والتلفزيون ، وهل سيتم الحفاظ على تميز النص انتاجيا وتمثيلا واخراجا، وهل نفتقد فعلا النص الجيد ونحن نرى العراق يحوز الجوائز المهمة اينما شارك في مسابقات ادبية .
ما نحتاج اليه هو الاهتمام بالواقع الفني وعدم الترويج لمسلسلات مليئة بالأخطاء القاتلة سواء في النص او في الاخراج او الاداء الضعيف ، وما علينا الا تذكير انفسنا بحجم وبراعة مسلسلات لا زالت شاخصة في الذاكرة المحلية ومنها (فتاة في العشرين ، تحت موس الحلاق، رجال الظل، النسر وعيون المدينة ، ذئاب الليل، نادية ،أيام الاجازة، الأماني الضالة) ... وغيرها ، والتي ادى فيها الممثل العراقي بتميز فني يحسب لتاريخه الفني الذي اوقفت عجلته سنوات الحصار والحروب والتغيير السياسي الذي انتج لنا بعضا من التميز على مستوى الانتاج الخاص وفي المقابل لم يستطع الانتاج الحكومي ديمومة تاريخه التلفزيوني الدرامي الجيد فأنتج اعمالا لم تخلدها الذاكرة المجتمعية وهي تدخلها في المقارنة مع الاعمال المميزة السابقة.