تحالفات غير مسبوقة ضد نيتنياهو
بانوراما
2019/09/30
+A
-A
ترجمة: مي اسماعيل بيرنارد أفيشاي
ولم تُغير النتائج من كتلة نيتنياهو الاجمالية، التي تضم الأحزاب الصهيونية التقليدية والدينية المتطرفة لتبقى عند 55 مقعدا، فيما نالت كتلة يسار الوسط بقيادة بيني غانتس زعيم حزب أزرق أبيض 54 مقعدا، وتضم ثلاثة من الأحزاب العربية الأربعة. ولايزال حزب إسرائيل بيتنا، الذي حصد ثمانية مقاعد بزعامة وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان، في موقع صانعي الملوك، لكنه لم يعلن دعمه إلى أي من نيتنياهو ولا غانتس.
تضم خارطة الاحزاب الفائزة "أزرق أبيض" 33 مقعدا، والليكود 32، والقائمة المشتركة 13 (فيها عرب)، وحزب شاس 9، وإسرائيل بيتنا 8، وحزب التوراة اليهودية المتحدة 7، واليمين المتحد 7، وحزب العمل- غيشر- 6، والاتحاد الديمقراطي 5 مقاعد.
النواب العرب
وكان نيتنياهو قد تولى رئاسة الحكومة مرتين، الأولى كانت منتصف التسعينيات، والثانية الحالية منذ 2009. وجاءت نتيجة الانتخابات العامة، الثانية هذا العام، دون حسم للأغلبية.
وفي محاولة للوساطة بين نيتنياهو وغانتس، أوصى ريفلين بتشكيل حكومة من خلال التحالف بين حزب الليكود الذي يقوده نيتنياهو. وقال الرئيس الإسرائيلي إنه سيفعل ما بوسعه لتفادي إجراء انتخابات عامة للمرة الثالثة هذا العام. وكان نواب من عرب 48 ضمن تحالف "القائمة المشتركة" قد اتفقوا على ترشيح رئيس الأركان السابق للجيش الإسرائيلي غانتس رئيسا للوزراء. وهي المرة الأولى التي تدعم الأحزاب العربية الإسرائيلية رئيس وزراء إسرائيلي منذ العام 1992، وقال أيمن عودة، زعيم تحالف القائمة المشتركة إن أولوية تحالفه هي إبعاد نيتنياهو عن رئاسة الوزراء.
وأُجريت الانتخابات الإسرائيلية للمرة الثانية هذا العام قبل أسبوعين بعد انهيار محادثات الائتلاف الحكومي بين الفائزين بانتخابات نيسان الماضي.
وبموجب التكليف الرئاسي لنيتنياهو ستكون أمامه مهلة 28 يوما لتشكيل الحكومة وإنهاء المأزق السياسي الذي تشهده اسرائيل، مع إمكانية تمديد هذه المهلة أسبوعين إضافيين.
بيد أن بيني غانتس، أعلن رفض حزبه الانضمام لحكومة يترأسها نيتنياهو. وكتب غانتس في صفحته بفيسبوك: "حزب أبيض أزرق الذي أترأسه لن يقبل الانضمام إلى حكومة قد يواجه رئيسها قراراً اتهامياً خطيراً"، إذ يواجه نيتنياهو اتهامات بالفساد، وسيمثل أمام جلسة استماع الاسبوع المقبل، وإذا ما أدين، سيكون ملزماً قانونيا بالتنحي.
فعندما جرت الانتخابات الاسرائيلية العامة خلال الاسبوع الأول من نيسان الماضي، افترض نيتنياهو الفوز؛ أو على الأقل أن كتلة من الأحزاب اليمينية المتعاطفة معه قد كتب لها الفوز، لكنه، وقبل انتهاء فترة التفويض الرئاسي بسويعات لتشكيل الحكومة الجديدة؛ فشل نيتنياهو (بواقع صوت واحد) بجمع الأغلبية المطلوبة داخل الكنيست الذي تبلغ عدد مقاعده 120 مقعدا. وبدلا من أن يرى التفويض سيذهب الى غيره؛ قام نيتنياهو "بهندسة" انتخابات جديدة.. وهي مناورة يائسة قد تكون بلا جدوى؛ نظرا لواقع اتجاهات الناخبين.
خصوم عنيدون
خلال أشهر الصيف (بين الانتخابات الأولى والتالية) جعلت التحالفات غير المسبوقة عبر الطيف السياسي نيتنياهو يبدو أكثر ضعفا مما كان عليه منذ خسارته منصبه للمرة الأولى سنة 1999. كما ان خسارته الجديدة ستجعل الاسرائيليين القلقين حول مصير ديمقراطيتهم يشعرون بارتياح فوري؛ فهم متعبون من هجماته على القضاء والشرطة ومحاولة تحريض الاعلام، واستعداده للتسامح مع الجنود الذين ينتهكون قواعد الجيش أثناء الغارات، وتحريضه العنصري ضد الأقليات، وتحريضه الشعبوي ضد النخبة.
في شهر أيار الماضي إدعى "بيني غانتس" عبر خطابه الافتتاحي أمام الكنيست أن معركته كانت "ضد التهديد الجديد لأداء النظام الديمقراطي".. وبالفعل؛ يصعب ايجاد طرف من المعارضة لا يرى في الانتخابات الحالية استفتاء على الديمقراطية. لكن اتضح أن عدو نيتنياهو الحقيقي لم يكن تحالف الديمقراطيين التقدميين؛ بل هو حليف سابق وسياسي عنيد أفيغادور ليبرمان، الذي فاز حزبه العلماني اليميني "اسرائيل بيتنا" بخمسة مقاعد سابقا. وقد رفض الانضمام لحكومة نيتنياهو الجديدة دون ضمانات بتجنيد شباب اليهود المتطرفين في الجيش بحسب ما قضت المحكمة العليا؛ وهي ضمانات لم يكن باستطاعة نيتنياهو تقديمها دون خسارة تأييد الأحزاب الدينية المتشددة، التي حصلت على 16 مقعدا. يمكن تفسير تمرد ليبرمان على أسس تكتيكية بحتة؛ فقاعدته الانتخابية تستند غالبا الى مهاجري الاتحاد السوفييتي السابق، والكثير منهم ينجذبون لخطابه (وخطاب نيتنياهو) القومي المتشدد والمعادي للعرب. لكن غالبية الاسرائيليين الذين يتحدثون بالروسية في بيوتهم يقولون انهم لا يذهبون أبدا الى الكنيس ولا يريدون تدخل الحاخامات بشؤونهم.
سطوة المتشددين دينيا
يرى نحو سبعين بالمئة من يهود اسرائيل أن الشعائر الدينية لا تحتل مكانا مهما في حياتهم، والعديد منهم يمقتون فصل الذكور عن الاناث داخل المدارس والجامعات العامة، ويشعرون بالاستياء لأن اليهود ليس بامكانهم عقد الزيجات المدنية حتى الآن، وأن الحاخامية الكبرى بدأت تطلب فحوصات جينية من الزوجين قبل السماح بالزواج. (ينص قانون العودة الصادر سنة 1950 والمعدل سنة 1970 أن على الشخص الذي يطلب حقوق المواطنة تقديم وثائق تثبت أن له جدا يهوديا واحدا على الأقل). يقول نحو ثلثي الاسرائيليين أنهم يرغبون بحكومة إئتلافية واسعة تستبعد الاحزاب الدينية المتطرفة؛ وهناك أيضا أقلية ثابتة تُعرّف بأنها "يمينية". وقد أدرك ليبرمان أن شبح الثيوقراطية (= الحكومة الدينية) الزاحف يمكن أن يدق إسفينا حتى بين الناخبين، وبالتالي تعكس حظوظ شعبيته المتناقصة (ففي وقت ما فاز حزبه بضعف المقاعد التي ربحها خلال نيسان الماضي). لكن دوافع ليبرمان شخصية أيضا؛ فقد كان يوما المدير العام لحزب ليكود ووزيرا عن كتلته، وكانت له قضية مشتركة مع الثيوقراطيين بحسب مصلحته. لكن نيتنياهو أحبط (وحتى أهان) ليبرمان كلما ناسبه ذلك؛ لدرجة جعل ليكود تتراجع سنة 2014 عن تحالف مع حزب ليبرمان..
تُنذر الانتخابات الجديدة بالانتقام بألذ صوره.. خاصة الآن؛ لأن نيتنياهو يواجه اليوم ثلاث لوائح اتهام محتملة (للرشوة وخيانة الأمانة). وطبقا للسوابق القانونية وتعليمات المحكمة العليا؛ إذا إتهم نيتنياهو فسيكون عليه الاستقالة؛ إذا لم يُجبر عليها. كما أن توقيت الحملة جعل القضية ضده أقوى؛ بعد تسريبات اعلامية كشفت دوره باقتناص مغانم سياسية من شركات اعلام كبرى. يأمل نيتنياهو (بعد الانتخابات الجديدة) أن يؤمن تحالفا لليكود من دون ليبرمان، بشراكة الأحزاب الدينية المتطرفة والوطنية المؤيدة للمستوطنين؛ وذاك الاول سيحافظ دون شك على مقاعده في الكنيست، أما الاخيرة (ورغم أنها لا تحمل مودة لنيتنياهو) فترغب بالحفاظ على وزارات العدل والتعليم؛ التي تطلق لها اليد الطولى لحروب اسرائيل الثقافية. وقد أشاروا أنهم سيمررون القوانين الضرورية لتقليل سلطة المحكمة العليا وإبقاء نيتنياهو رئيسا للوزراء.. والفوز بالحروب الثقافية.
خطط افتراضية
يمكن القول أن ليبرمان هو الشخص الأهم (والأكثر مخادعة) في الحملة؛ فحين يقف حزب الأبيض والأزرق على حدود 32 مقعدا، قد يكون عليه الارتباط مع ليكود ثانية. ورغم إن العدد الكلي لمقاعد وسط اليسار (وبضمنها النواب العرب، الذين لا يرحب بهم الأبيض والأزرق عموما) يقل ببضعة مقاعد عن الاغلبية؛ لا يزال بامكان ليبرمان التعويل بمعقولية أن نيتنياهو والأحزاب اليمينية المتطرفة لن تصل للأغلبية، وأن حزبه سيمتلك مفتاح موازنة القوى. وعبر تلك الحالة يمكنه إطالة عملية تشكيل الحكومة الجديدة قريبا؛ مجبرا نيتنياهو على مواجهة قرارات الادانة قبل أن يتمكن أي تشريع من انقاذه. كما أن استقالة نتيناهو الاجبارية ستؤدي لتفعيل خطة ليبرمان الأوسع: التي تتضمن إبقاء اليمين العلماني ضمن السلطة؛ إذ سبق له التلميح أنه سيوصي الرئيس بإعطاء تفويض تشكيل الحكومة الى غانتس. كما أوضح أيضا إنه لن يساند تحالفا لحزب الأبيض والأزرق يضم أحزابا تقدمية وعربية؛ بل ينوي حث غانتس لتشكيل حكومة وحدة وطنية يكون جوهرها حزب الأبيض والأزرق وحزب ليبرمان وليكود من دون نيتنياهو. وهذا الشرط الأخير يفترض أن اتهام نيتنياهو سيدفع قادة ليكود الآخرين للتخلي عنه (خصوصا الذين لا يتملقون له، ومنهم وزير التعليم السابق "جدعون ساعر"). وقد أظهر نيتنياهو قبل مدة علامات تدل على الفزع؛ إذ انتزع تعهدا عاما، من أربعين مرشحا كبيرا لليكود، بعدم السعي لاستبداله. لكن ليبرمان دعا علانية قادة الحزب للتخلي عن رئيس وزرائهم.
تعتمد هذه الخطة على عدد من حالات عدم اليقين؛ لكنها ليست خيالية.. إذ وقّع حزب ليبرمان مع غانتس اتفاقا لتقاسم المقاعد. تقسّم مقاعد الكنيست حسب إجمالي عدد الأصوات التي يفوز بها حزب ما، مما يترك (غالبا) نقصا في عدد الاصوات اللازمة لاستكمال استحقاق المقعد الأخير. لكن اتفاق تقاسم المقاعد يعطي تلك الأصوات المتبقية الى الحزب صاحب العدد الأعلى؛ وربما يخوّل ذلك الحزب (وهو هنا- الأبيض والأزرق على الأرجح) الفوز بمقعد اضافي. لا عجب إذا أن يرضى قادة الأبيض والأزرق بالسير مع آليات ليبرمان؛ فذلك الحزب يكتظ بالقادة السابقين من المؤسسة العسكرية الذين يفضلون (بداهة، كما يفضل العديد من أعضاء ليكود) حكومة وحدة وطنية ويميلون نحو الخطاب العلماني القومي. كما يميلون أيضا (مثل ليبرمان) لاعتبار الموقف من الفلسطينيين تحديا عسكريا؛ بالسيطرة على السلطة الفلسطينية داخل الضفة الغربية وردع حماس في غزة؛ بدلا من الحق المقدس بأرض اسرائيل.
بين الفرامل ودواسة الوقود
لم يُجرِ غانتس الا بضع مقابلات خلال الاشهر الماضية؛ بل يبدو راضيا بالاعتماد على خطط ليبرمان، وعلى جاذبية شخصيات حزبه من الجنرالات وسلطتهم، وأيضا على تخبطات حكم نيتنياهو المنتشرة. وقد حذّر مدير بنك اسرائيل من عجز مقلق بالميزانية يبلغ أربعة بالمئة من إجمالي الناتج العام؛ لذا تبدو هبات نيتنياهو العمومية السخية للمؤسسات الدينية جزءا يتناغم باستمرار مع سوء الادارة المالية. لا تزال الحدود مع غزة منطقة عنيفة، وهناك مناوشات مع حزب الله والقوات الايرانية. كان نيتنياهو يستفيد سابقا من تلك التوترات، ليظهر بصورة قائد الأمة الذي لا غنى عنه؛ لكنه اليوم موضع شكوك بالتلاعب بتلك الظروف. وإتهم غانتس (عبر مقابلة نادرة) نيتنياهو صراحة باستغلال الموقف العسكري لتعزيز حظوظه الانتخابية؛ فعندما أعلن نيتنياهو إنه، إذا فاز، سيضم وادي غور الاردن الاستراتيجي، فاتهمه متحدث حزب "الابيض والازرق" باستخدام سكان وادي الأردن.. "مثل الكومبارس في فيديو الحملة الانتخابية"!
عموما تبدو تحالفات غانتس وبقية الأحزاب اكثر رسوخا من تحالفات نيتنياهو؛ بينما يتصاعد ذعر ذلك الأخير، ولا يبدو أن قربه من ترامب سيعود عليه بالفائدة التي نالها خلال انتخابات نيسان الماضي؛ حينما أعلن ترامب فجأة اعترافه بسيادة اسرائيل على الجولان. اليوم يبدو ترامب مضطربا بشكل متزايد بشأن مواجهة ايران. فالصحافة الاسرائيلية تعج بقصص عن تخطي ترامب لنيتنياهو وسعيه سرا للقاء الرئيس الايراني حسن روحاني، ومتهورا بشكل متزايد بالمطالبة "بالولاء" اليهودي الأميركي. كما تتكتل أحزاب المعارضة اليسارية كما فعلت اليمينية؛ بتأسيس "الحزب الديمقراطي الاسرائيلي" الذي ضم قادة منشقين عن حزب العمل، ورئيس الوزراء السابق ايهود باراك.
قد يعني حديث "غانتس" عن "أداء النظام الديمقراطي" مواقف متعددة تظهر تبعا لنتائج الانتخابات الأخيرة، وغني عن القول أن دولة فيها فلسطينيون تحت الاحتلال، وجهاز ادارتها منظم للتمييز ضد المواطنين غير اليهود؛ فإن أداء النظام الديمقراطي فيها سيتطلب الكثير لإصلاحه. ولكن لا ينبغي التقليل من التأثير المحتمل لفشل نيتنياهو؛ فحينها لن يعود لمتعصبي "أرض اسرائيل" سيطرة على وزارة التعليم، وسيجري الحفاظ على صلاحيات المحكمة العليا. ومن جهتها، تمارس دول الجوار العربية ضغوطا لعقد إتفاقية اقليمية، وستفضل العمل مع شخص معتدل مثل غانتس. وسيجري تصويت ضد ترامب ليغادر منصبه بلا تجديد؛ وسيزداد ضغط واشنطن للتعامل بصورة أفضل تجاه القضية الفلسطينية. قد لا تحتاج السيارة للضغط على دواسة الوقود للمضي قدما؛ بل يكفي رفع القدم عن الفرامل.. وهذا يكفي حاليا لإزاحة نيتنياهو عن مقعد
القيادة.