دراسة: ربع سكان الأرض يواجهون أزمة مياه

بانوراما 2019/11/03
...

سوميني سنغوبتا وويي كاي 
ترجمة: انيس الصفار                                         
تواجه دول يقطنها ربع سكان الأرض خطراً يتزايد الحاحاً وضغطاً هو إمكانية نضوب المياه لديها. فمن الهند الى إيران مرورا ببوتسوانا، هنالك 17 دولة من دول عالمنا واقعة منذ الان تحت ضغط أقصى درجات الاحتياج الى الماء، ومعنى هذا أنها قد استنفدت كل ما لديها تقريباً من المياه. هذا هو ما خلص اليه تقرير نشره معهد الموارد المائية في شهر آب الماضي.
ابتداء نقول أن الكثير من هذه الدول جافة وقاحلة أصلاً، وبعضها يبدد ما تبقى عنده من مياه تبديداً.
العديد منها أخذ يعتمد بشدّة على المياه الجوفية، في حين أن عليها بدلاً من ذلك إدامتها وتعويضها وادخارها لأوقات الجفاف الشديد.
تضم هذه البلدان مدنا كبيرة تعاني الظمأ جراء النقص الحاد الذي اصابها مؤخراً، من بينها مدينة ساوباولو شرق البرازيل وشيناي في الهند وكيب تاون. هذه المدن أوشكت خلال العام 2018 على إعلان ما يطلق عليه "يوم الصفر" وهي اشارة الى اليوم الذي تجف فيه احواض سدودها جميعاً.
تقول "بيتسي أوتو"، مديرة برنامج المياه العالمي ضمن معهد موارد العالم: "من المحتمل أن نصادف المزيد من يوم الصفر مستقبلاً، لأن الصورة محملة بالنذر لمواقع عديدة من العالم."
تغيرات المناخ فاقمت هي الأخرى مستوى الخطر. فمع ازدياد تقطع واضطراب فترات هطول المطر لم تعد امدادات الماء مضمونة. في الوقت نفسه، ومع تصاعد شدّة الحر بمرور الايام، ازدادت كميات المياه الضائعة بسبب التبخر من الخزانات في تزامن مع ارتفاع الطلب على تلك المياه.
المناطق التي تعاني اشد المعاناة من ضائقة المياه تقع أحياناً بين فكي البلوى بحديها المتناقضين، فمدينة ساوباولو مثلاً اجتاحتها سيول كاسحة بعد عام واحد من وصول حنفياتها حد الجفاف التام تقريباً، وشيناي عانت هي الاخرى من سيول مدمرة قبل أربع سنوات، ولكن خزاناتها اليوم موشكة على
الجفاف.
 
نضوب المياه الجوفية
تسحب عاصمة المكسيك، مكسيكو سيتي، المياه من جوف الارض بسرعة كبيرة جعلت مستوى القشرة الأرضية للمدينة يغوص نزولاً بالمعنى الحرفي للكلمة. 
ومدينة دكا، عاصمة بنغلاديش، تعتمد على المياه الجوفية اعتماداً شديداً لسد احتياجات سكانها وتغطية متطلبات مصانع الملابس الشرهة للمياه، الى أن غدت اليوم تسحب المياه من الطبقات الواقعة ضمن عمق مئات الاقدام. أم سكان شيناي الهندية المتعطشون، الذين اعتادوا منذ سنوات الاعتماد على المياه الجوفية، فقد أخذوا يكتشفون اليوم أن تلك المياه لم يتبق منها شيء. وبالنسبة للهند وباكستان يسحب المزارعون الماء من المخزونات الجوفية لسقي محاصيل عالية الاستهلاك للماء، مثل القطن والرز.
خلص الباحثون في معهد موارد العالم الى أن 33 مدينة من المدن التي يزيد تعداد سكانها على ثلاثة ملايين نسمة، ويتجاوز تعداد سكانها مجتمعة 255 مليون نسمة، تواجه اليوم ضائقة مائية بالغة الشدة بكل ما يعنيه هذا من آثار على الصحة العامة والاستقرار الاجتماعي.
بحلول العام 2030 يتوقع أن يرتفع العدد في فئة المدن التي تعاني أقصى درجات الضيق المائي الى 45 مدينة تعداد سكانها مجتمعة 470 مليون نسمة.
المجازفات عالية بالنسبة للمناطق التي تعاني من شحّ قاس في المياه. فحين تستنفد مدينة ما، أو بلد ما، كل مخزوناته من الماء تقريباً فان موسم قحط واحد سوف يعني الكارثة.
فخلال العام الماضي أجبرت "كيب تاون"، بعد ثلاث سنوات من الجفاف، على اتخاذ اجراءات استثنائية لتقنين القليل المتبقي لها من الماء في خزاناتها. وما فعلته هذه الازمة الحادة هو انها تسببت بتضخم التحدي المزمن حين أخذ سكان "كيب تاون"، البالغ تعدادهم اربعة ملايين نسمة، ينافسون المزارعين على موارد المياه المحدودة.
 
كيف تعالج المشكلة؟
على غرار ذلك، حدث لمدينة "لوس انجليس" الأميركية. ففي هذه السنة انتهى احدث موسم جفاف عاشته المدينة، ولكن خزينها المائي لم يتمكن من مواكبة الطلب المتسارع كما أن نزعة سكانها الشديدة لامتلاك احواض سباحة خاصة في باحاتهم الخلفية لم تزد الطين إلا بلة.
بالنسبة لبانغلور كشفت سنتان من انخفاض كميات الامطار مدى سوء ادارة المياه في هذه المدينة، فقد تكشف أن البحيرات الكثيرة التي كانت متناثرة ذات يوم على انحاء المدينة والمناطق المحيطة بها قد انشئت غير بعيدة عنها، أو بتداخل معها، مجار للصرف الصحي، بل ان بعضها تحول الى مصب لتلك المياه الملوثة، هكذا لم تعد البحيرات صالحة كخزانات لمياه المطر مثلما كانت. لهذا توجب على المدينة ان تغامر بالنزول عمقاً اكثر فأكثر للحصول على المياه لسكانها البالغ تعدادهم 8,4 ملايين نسمة، ومعه على الطريق كثير من مياه الصرف ايضاً.
ولكن من الممكن فعل الكثير لتحسين ادارة المياه. أولاً باستطاعة مسؤولي المدينة أن يوقفوا التسرب من البحيرات الواقعة ضمن منظومة توزيع المياه، كما أن بالامكان إعادة تدوير مياه الصرف الصحي. بالوسع ايضاً جمع مياه الأمطار وخزنها لاستخدامها اذا ما حلت أوقات الضيق، وذلك بتنظيف البحيرات والمنخفضات الغدقة وإعادة الابار القديمة للعمل.
كما يستطيع المزارعون التحول عن زراعة المحاصيل الشرهة الى الماء، مثل الرز، الى المحاصيل الأقل تعطشاً مثل الدخن.
تقول "بريانكا جاموال"، التي تشغل مقعد زميل في معهد آشوكا لأبحاث البيئة والمحيط في بانغلور: "المياه مشكلة محلية لذلك فإنها تحتاج الى حلول 
محلية".