احمد داخل
حينما نعيدالنظر بالأزمنة الفائتة، نجد ان الامكنة جديرة بتدوين المحذوف من التاريخ، لان استنطاقها لايقل أهمية عن المدون في متن التاريخ، والذي أحيانا ما يعتمد تدوين الأحداث الرسمية التي تكتب بإيعاز سلطوي وقلما تخلو من لغة التزويق والتزييف والمجاملة.
وشارع الحبوبي في الناصرية جدير بالتدوين، فالسيد الحبوبي فعلا مر بهذا المكان يوم كان على رأس حملة جهادية لملاقاة الاحتلال البريطاني الذي نزل في البصرة أوائل القرن الماضي.
جاء ليتخذ من الناصرية مركز عمليات قبل الخوض في (معركة الشعيبة)، فطغى بريق الأمل والبهجة على مجيئه، ورحل بمرارة وانتاب الشارع الألم والحزن حين شيع بهذا الشارع .. بعد انكسار جيوش المجاهدين العراقيين في تلك المعركة أمام العدة والعدد والأسلحة
الفتاكة .
هذه هي إحدى الحكايات السالفة التي ينقلها الأجداد للإباء ثم للأحفاد لتبقى ذكرى عطرة تلف الشارع وهي بحق حكاية تستدعي التدوين كونها مشبعة بالوطنية وصدق الموقف، وهناك الكثير من الحكايات التي تحفظها أمكنة الشارع وزواياه المبعثرة بين أزمنة التغيير فكل مكان يختزل أحداثا غزيرة،فمنها ماهو حلوعذب كعذوبة نسائمه التي تهب أوقات المساءات الصيفية المشبعة بعطر الخضرة الندية التي كانت تتوسط الشارع في الماضي يوم كان يسمى بـ (عكدالهوى) كالاحتفالات والأعياد الوطنية وزفات الأعراس، ومنها ماهو مرٌ بمرارة الفجيعة كمواكب التشييع والاعتصامات والانتفاضات الرافضة لجور السلاطين مع تعاقب الأزمان.
نجد ان الساحة تشكل سُرة الشارع وتمثال(الحبوبي) يتوسطها كالبوصلة الدالة للغرباء والقادمين إلى المدينة، وهناك الكثير من الأزقة التي انسلخت منه ولها حصة في الذكريات السالفة لأنها تتميز بكثرة المقاهي وتعدد عناوينها، فكل مقهى يحمل اسم روادها، للعمال مقهى وللرياضيين والأدباء أيضا، والقرويون القادمون من أطراف المدينة يجدون مكانهم وزمنهم للمجيء إلى هذا الشارع حينما تشتد عللهم لان في أحد أمكنة الشارع عيادات للاطباء،فهو صخب متواصل طوال النهار لاينقطع حتى وان هدأ يتكرر في نهار
الغد..
هذه هي حكاية..عكد الهوى أو شارع الحبوبي. الذي وصفه الشاعر مجيد الخيون في قصيدة
"عگد الهوى" قائلا:
يا شارع الحبوبي اشكثر داست عليك اجدام ترفه
يا حمام امكلش ويه الگاع زفه
يا حنين العاشگ المالوم لو ون على ولفه
هاي نجمات الثريه ابشارع الحبوبي صدفه
جيت انشدك اكو عطار اليوزع حسن بالشارع تخفه
خوش اسم اسمك اسم شاعر غزل مفگود وسفه
ما نظم غير الرقيق من الشعر وحافظ العشاگ وصفه
شارع الحبوبي لو عگد الهوی الما غمض طرفه
ساهر اوي الما تغمض اجفونهن بالليل عض شفه على شفه
هاي حلواتك تدورس اگلوب ماداست ابچبدك هاي كلفه