جبار الغزي.. جاهر بغربة دامية لروحه الهاربة

ثقافة شعبية 2019/12/03
...

سعد صاحب
 
 
السعادة عند الشاعر جبار الغزي المشاركة بها من قبل حبيبين ، والذكي من يبحث عنها في المكان الصحيح، لكن شاعرنا الخائب اضاع البوصلة، وراح عبثا يفتش عن بهجة عند الناس القساة القلوب ، فغرق بالاشجان الى رأسه حد الضياع، ما بين الشوارع والفنادق والحانات والمقاهي، والمفارقة ان هذا الوجع القاتل ، هو فرحة الغزي القصوى. 
(بينك وبيني/ مثل ما بين شجرة وماي/ 
بينك وبيني/ مثل ما بين حزن وناي/ 
لو مر الفرح بيك/
اگولن هاكثر بالدنيه فرحانين/ 
لو مر الحزن بيك/ 
اگولن ها كثر بالدنيه حزنانين). 
 
ولادة
جاء الطفل الى الحياة سعيدا، وحين كبر فقأت عينه اليسرى بحادث طفولي، ترك في نفسه جرحا عميقا لا يطيب، وعندما شب فشل في تجربة حب قاهرة، وضاع في دهاليز الحياة المظلمة، ثم قسى عليه المجتمع كثيرا، لكونه شاعرا متمردا يجاهر بالرفض والتنديد بكل ثابت وقديم، وذروة ما توصل اليه من المواقف، الرد على دعوة وزير في الكتابة عن الفرح. 
(يگولون غني بفرح / وانه الهموم اغناي / ابهيمة ازرعوني ومشوا / وعزوا عليه الماي). 
                     
منتصف
كان الغزي فرحا باحزانه الكثيرة ، وكلما تسرب الحزن الى مسامات جسده المغلقة من شدة الاهمال، احس بنشوة غامرة في داخل الروح ، فالكأس ذاتها يدار بها الخمر والسم والعصير واللهب ،والاحزان السابقة تتحول الى اعراس في زمن جديد، والسعادات القديمة تصير ذكرى محزنة. 
وهكذا بقي حائرا في المنتصف ، لا ذاهب الى جهة المباهج المطلقة، ولا راجع الى وطن ضاق به ذرعا حد الموت . 
 (نوبه انطفي ونوبه اشب/ تايه بنص الدرب/تايه واخذني الهوه/ لا رايح ولا جاي). 
 
دواليب
تدور به الدواليب من مدينة الى مدينة ، ومن محطة الى محطة ، ومن قبو الى كهف اكثر عتمة ومخافة، ومن سرداب الى سرداب، حتى راى الكثير من المدائن، في غربة دامية رسمها بيديه الى روحه الهاربة، من القيد والخوف والكذب والرياء والالتفاف، الى ان صار الشامتون له اصدقاء، واصبح الغرباء اليه مثل عائلة . 
(دولاب فرني الوكت/ وخميت الولايات/ الغربة صاروا هلي/ وخلاني الشمات/ وما بين شوك وصبر/ خلصن سنين العمر). 
                 
رسائل
 كان العاشقون ايام زمان ، يتبادلون المكاتيب الورقية المعطرة ، فهي رسل الغرام بين المحبين القدامى ، وكانوا يسردون فيها الكثير من التفاصيل ، ويبوحون بالاشواق الحارة ، ويطيلون بتدوين الكلام الخفي وكثرة العتاب . 
الشاعر يأمر الحبيب بحرق الرسائل ونثرها مع الرياح العاوية ، وهذا دليل الجفاء والخراب والنسيان ، فالعمر تلاشى بلا معنى وانتهت معه كل الحكايا السابقة . 
( احرگ خطوط العتب/ وانثرهه ويه الريح/ وانسى محاجي العشك/ يا بو شعر تسريح/ والعمر شمعة انطفت / وكل السوالف گضت ).
 
قمر
علاقة الشعراء بالقمر علاقة تاريخية راسخة ، فهو القريب من هواجسهم ، وهو الكلمة الاكثر تداولا في كتاباتهم ، والهلال مفردة لها العديد من المعاني ، والشاعر قارب بين المفردتين في شطر شعري واحد . 
الغزي لا يجد من يستحق مشاعره النبيلة ، وبالرغم من هذه القناعة ، انه يحب بكل ضراوة وقوة واندفاع ، وكان على دراية بان الحبيب يخون ، وكل المحبة كانت هراء في هراء . 
(چنت انه اشوفك گمر/ وهلال من ابعيد/ لمن وصلتك شفت/ حزنك بيوم العيد/ واعرفت ظلمه العمر/ وياك يل ما تمر).