تقول الدكتورة زينب عبد المهدي في محاضرتها الموسومة - اللهجات العربية في التراث - التي القتها في الدورة التي نظمها مركز احياء التراث العلمي العربي بجامعة بغداد تحت عنوان
(( اللهجات العامية ذات الاصول الفصيحة)) : إن دراسة اللهجات هو مبحث من مباحث علم اللغة العام وهي الخطوة الاولى التي تسبق غيرها، اذ ان دراسة لغة دراسة تأريخية لاتتم الابعد الانتهاء من بحث لهجاتها ومع هذا لم تحظ بعناية الدارسين لجفافها الذي يلد الذهن،
ويجهد العقل، لما لها من صلة بالتراث العربي القديم وحتى في هذا التراث العربي لم يكن الحديث فيه عن اللهجات مقصودا لذاته وانما كان وسيلة يلتمس لغيره من الغايات.
ولهذا كان من الاسباب التي دفعت الدكتورة زينب عبد المهدي الى اختيار تلك المشكلة لان أرضها كما جاء في محاضرتها مازالت بكرا لم تجهد ولم تصل اليه اقلام الباحثين مع أن جزءا كبيرا من رصيدنا اللغوي يكمن وراء دراسة لهجات القبائل العربية لما لها من اتصال وثيق بعلوم القرآن وقراءته ولهجاته الحديثة في جميع البلاد
العربية.
تغيرات النطق
وكانت محاضرة الدكتور غانم عودة شرهان التدريسي في مركز احياء التراث العلمي العربي / جامعة بغداد قسم العلوم بعنوان ((كلمات نظنّها عامية وهي في قلب اللغة العربية الفصحى)) ، التي تناول فيها دور النطق العامي الدارج للألفاظ العربية ، بما يكثر فيها من ابتعاد عن الاعراب والنحو واصول اللغة ولأسباب شتى أدت الى غلبة النطق العامي الدارج إلى "عامّي" هو الآخر، بأن ما نستخدمه من كلمات في حياتنا المعاصرة، ليس من الفصحى، في شيء .
وأن الألفاظ الدارجة في العالم العربي هي في غالبيتها العظمى عربية وجميعها متّصلٌ بشكل أو بآخر بأصله النحوي أو الفصيح، إنما مرّت عليه تغيّرات اللسان واختلاف الزمان والاختلاط والتطور الحضاري، فتغيّر صرفه ولفظه إلا أنه بقي في النهاية، عربياً، ولغة للعرب يُتخاطَب بها. لكن اللسان العربي الآن ينطق بألفاظ ،كثيرة فصحى، ضمن كمية كبيرة من ألفاظ عامية، اعتقِد، لوهلة، أنها عامية مثلها. بينما، وبالعودة إلى كتب اللغة والقواميس، يظهر أنها فصيحة تماماً، ويتم التواصل اللغوي، من خلالها، كما لو أن قائليها يتحدثون الفصحى تماماً.
السبطانة
واخترنا من ضمن قائمة طويلة كلمتين دارجتين تجريان على اللسان العربي اعتقِد، خطأً، أنهما عاميتان، فيما تثبت الكتب القديمة أنهما من اللغة الفصحى، ولم يتأثر بناؤهما الأصلي، بأي تغيّر، وتستخدم الآن، تماماً،
والكلمة الاولى هي (السَّبطانة: الأنبوب الممتد من البندقية ) وتستخدم كلمة السبطانة، في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، بصفة خاصة. وبسبب إيقاع الكلمة وغرابتها اللفظية، لم يكن يعرف البعض، أنها كلمة عربية فصيحة وجاء في القاموس المحيط، للفيروز آبادي، أن السّبط نقيض الجعد. ورجُلٌ سبط اليدين: سخيّ. أمّا سبط الجسم فهو: حسن القدّ. وكذلك: أسبط: غمَّضَ. والرجل السبط: الطويل. ثم لينتهي بعد تفسير الكلمة، بوجوهها المختلفة والتي تتقارب مع معناها الأصلي، ليعطي معنى السبطانة الآن. فيقول: والسبطانةُ قناةٌ جوفاء يُرمَى بها الطير وكان أقدم معاجم العربية، وهو ما يعرف بكتاب "العين" للفراهيدي، قد سبق وأشار إلى أن السبطانة "قناة جوفاء يرمى بها الطير". إلا أن الفراهيدي يضيف تفصيلاً غاية في الأهمية فيقول: "وقيل يُرمى فيها بسهام صغارٍ يُنفَخ فيها نفخاً، فلا تكاد
تخطئ".
أي أنها اكتسبت صفة السلاح، وما يشتمله على صفة المقذوف، الآن، وكان سهاماً، في السابق. مما يعطي للسبطانة، بمعناها الحالي، ذات المعنى الحرْفي الذي عرّفها به أقدم قواميس اللغة العربية، وسواه بطبيعة الحال.
مفردة اخرى
وبين ان الكلمة الاخرى هي شالَ السائلُ يديه : رفعهما يسأل بهما ، ولعل من أكثر المفردات التي تجري على اللسان العربي الآن، كلمة "شالَ" بمعنى الحمل والرفع. وتلفظ: "شال على كتفه" و"شال الكتب" والأم "شالت" طفلها، وتشيل وأشيل وشلتُ وشالوا. وهي من المفردات العربية الفصحى، والتي يستعملها العرب، الآن، بحسب مدلولها الحرْفي المعجمي. وجاء في "لسان العرب" أن الناقة "شالت بذنبها إذا رفعتْه. وأيضاً: فتشول ذنبها أي ترفعه.
وكذلك: أن يُشال الحجر باليد، وإشالة الحجر ورفعه لإظهار القوة، وشال الميزانُ: ارتفعت إحدى كفّتيه، وأشال الحجر وشال به:
رفعه.
أمّا "العين" أقدم قواميس العربية، فهو يقطع بتعريف للكلمة، فيقول: "كل شيء مرتفعٌ فهو شائلٌ". ويستخدمها معطياً معنى الحمل والرفع: "خشبةٌ تُشال بها الأحمال". أي ترفَع. ولعل كلمة "الشال" التي تستخدم الآن، وهي رداء للنساء يوضع على الكتفين، مشتقة من شال، بقصد الرفع والمكان المرفوع. خصوصاً أن الفراهيدي قطع بأن كل ما هو مرتفعٌ فهو "شائلٌ "