مصافحة ديانا

بانوراما 2020/05/05
...

عبدالزهرة زكي
 
استعاد كاتب صحفي بريطاني قبل أيام ذكرى صورة فوتوغرافية تعود إلى ما قبل ثلاثة وثلاثين عاماً، وكانت الصورة تظهر الأميرة الراحلة ديانا وهي تصافح سيدة أخرى غير معروفة.
بهذه الحدود لا قيمة للصورة، حالها حال ملايين الصور العادية التي تظهر مشاهير يتصافحون مع أشخاص من عامة الناس.
لكنَّ هذه الصورة ليست عادية، إنها صورة مهمة من حيث توثيقها سلوكاًإنسانياً رائداً وشجاعاً في حينه. السيدة التي في الصورة والتي امتدت إليها كف يد لتصافحها هي سيدة كانت مصابة بمرض نقص المناعة (الايدز)، وهو مرض معدٍ وقاتل، وكان يشكل عاراً على المبتلين به، أي تماس مع المصاب كان داعيا للقلق والخوف برغم أن الطب كان يؤكد أن انتقال الايدز يتم عبر فقط الاتصال الجنسي وربما من خلال انتقال اللعاب والدم من شخص مصاب لآخر سليم.
كانت ديانا في هذه الصورة تقدّم مثالاً للدور الإنساني الذي يمكن أن يضطلع به النجوم والمشاهير في المساعدة النفسية لبشر محبطين وهم تحت وطأة مرض قاتل، وفي المقابل تحفيز الناس لتقدير هذا الوضع ومد يد العون والمؤازرة لمن هو بحاجة لها.
لم تكن ديانا مغامرة بصحتها في هذه الصورة. كان الطب قد حسم تماماً أن لا عدوى من التماس الجسدي بحدود المصافحة والاقتراب لكن حاجزاً نفسياً بقي يحول دون أن يقدم الناس على مثل هذه المصافحة مع مريضة الايدز وحتى الاقتراب منها. لقد كسرت ديانا هنا تابواً نفسياًعاماً، وبهذا اكتسب الحدث والصورة قيمتهما.
تطور إمكانات الطب والعالم بمجابهة المرض، وتعوّد الناس على حالاته، وتقبلهم للتعايش مع المصابين به دفع بالصورة إلى الأرشيف، وأفقدها قيمتها.
لكن بعد هذه الثلاثة والثلاثين عاماً تتكرس فجأة الحاجة للصورة بحيث تستعاد ذكراها وذكرها من قبل الصحفي البريطاني كريسستوكيلووكر مؤلف كتاب (اليوتيوبريون/ كيف هز يوتيوب التلفزيون وأنتج جيلاً جديداً من النجوم). لقد كان ووكر، حين استعاد الصورة، بصدد الكتابة عما يمكن أن يكون عليه حال الاختلاط ما بين الناس حين الانتهاء من الاغلاق والحجر، وكيف سنتعامل مع أفعالنا التقليدية التي اعتدنا معها على المصافحة والتقبيل والاحتضان بسلوك إرادي ولا إرادي كلما كنا بمواجهة صديق أو قريب تربطنا به صلة عميقة أو يجمعنا حدث مهم يستدعي تلك التقاليد في التعبير عن درجة العاطفة والتعاطف.
نحن في العراق، وربما ببلدان كثيرة أخرى، لم نعتد بعد حتى الآن، الحرص الشديد على التباعد الجسدي الذي يبديه عامة الناس في البلدان الأخرى التي كانت ضربات كورونا فيها أشد إيلاماً، بالأخص في أوربا والولايات المتحدة.
هنا يجب أن ندرب أنفسنا والآخرين القريبين منا على التباعد الجسدي والتوقف عن الكثير من تقاليدنا، ما دامت وسيلة لنقل العدوى وما دام المرض يشكل تهديداً فعلياً للأفراد والمتجمع وما دام العلاج واللقاح ضده غير متاحين.
لقد قطع المواطن الغربي الصلة نهائيا مع مثل هذه التقاليد، ومقال كريس ستوكيل ووكر ينشغل بالبعيد، بكيف نجد تقاليد أخرى للتعبير عن عواطفنا ومحبتنا حين نلتقي بمن نحب ونعتز من الناس.