عقبات الاستقرار

بانوراما 2020/06/13
...

د . ناجي الفتلاوي
 
قبل الخوض في ماهية الاستقرار داخل العراق وكيفيَّة الوصول إلى ملامحه والتنفس برئته، علينا أنْ نعرف ماهية اللا استقرار، فالأخير ومن زاوية عامة يدلُّ على عدم التمكن من الوصول الى ما يسمى «عدم ذبذبة التقاليد والمعايير والأنساق السياسيَّة والاجتماعيَّة المتأثرة بالأولى»، والتي تحكم الانتقال إلى ما يسمى «هرم الدولة الحقيقي»،عدم الذبذبة في المنظومة المذكورة أعلاه إنْ حضر يولد لنا أكثر من ضمان على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي ويوصل الى خاصية امتصاص الصدمة التي توجه الى الدولة، ثمة العديد من العقبات ترسخ لما يسمى بـ»اللا استقرار»، منها وجوب الخروج من دائرة الصراع بين الجماعة والمجتمع (لا يتسع المقام هنا للتفصيل في الفرق بينهما ولمن يرغب فعليه مراجعة ما كتبه الدكتور علي الوردي والدكتور فالح عبد الجبار رحمهما الله بهذا الصدد)، فالتمايزات الموجودة تعيق الوصول إلى مرحلة التعدد الممدوح وقبوله، إذ ينبثق منها (أي التمايزات) الاستقرار الذي نريد ونطلب، والمفارقة الاجتماعية هذه ليست من السهولة بمكان بل إنها تشكل تحدياً، واقعنا يشير إلى أنَّ العراق بعرفه الحالي لا يمكن أنْ يخرج منتصراً، عقبة أخرى والتي تشكل مأزقاً كبيراً أو قعتنا فيه التركيبة السياسيَّة بعد العام 2003 هو نمط القيادة الذي أنتجته السلطة التي هي مخاض أولدته التركيبة السياسيَّة أعلاه، إذ برز ويبرز بوضوحٍ مبدأ المحاصصة المقيت الذي يرسم حدوداً لكل شيء، حدود بين الأحزاب نفسها، حدود بين الأحزاب والسلطة وبين الأحزاب والبرلمان وبين الأحزاب ومريديها وبين الأحزاب والمواطنين المستقلين وبين الأحزاب والدستور وبين الأحزاب ورسم السياسات الداخليَّة والخارجيَّة، لحظة الانخفاض المدقع في هذا الترسيم للحدود من قبل الأحزاب إنها حدودٌ قابلة للعبور وقابلة للتغيير، فالسلطة المبتناة على التركيبة السياسية المختلطة في المنهج لا لغاية تعددية بل لغاية فوضويَّة غير خلاقة قد أولدت أنماطاً من العلاقات الاجتماعية والروابط القافزة على المعيار. 
وهنا يطيب لي تكثيف المعنى لأقول: نجحت الأحزاب السياسيَّة العراقيَّة على اختلاف أسمائها ومعتقداتها وقومياتها في توظيف الكثير من الأدعياء (ثقافياً، سياسياً، اجتماعياً، دينياً) فأنتجت لنا نظاماً أدى إلى انقلاب الماهيات، الانقلاب الماهوي الحاصل لدينا هو نتاج الاختلال الحاصل في طبيعة الأنماط والأنساق التي أولدتها السلطة الغالبة للدولة.
إنَّ هذه السلطة الرخوة دولتياً القويَّة نفعياً استهلكت منا الزمن فكان زمناً رديئاً غير مستقر (جللته الطائفية والإرهاب)، استهلكت منا خزينة الدولة بفعل فساد واضح في تنفيذ المشاريع الكبرى أو إنها بالأساس مشاريع وهمية، فبقينا من دون اقتصاد قوي أو وفرة ماليَّة أو بنى تحتيَّة، استهلكت منا القدرة التصنيعيَّة التي باتت خاملة، بل معطلة، ما جعلنا دولة ريعيَّة بامتياز والنفط هو بوصلتنا الذي جعل منا دولة مذهلة بالكسل، الترهل في الدولة خلق طابوراً من الأزمات والأخيرة بدورها تهز عرش استقرار الدولة.