أيا صوفيا.. جدليَّة الكنيسة والمسجد والمتحف

بانوراما 2020/07/04
...

اسطنبول/ أ ف ب
 

نظرت أعلى محكمة إدارية في تركيا الاسبوع الفائت بطلب لإعادة تحويل كنيسة آيا صوفيا السابقة إلى مسجد، في خطوة يأمل الرئيس رجب طيب إردوغان أنْ تتحقق على الرغم من التوتر الذي يمكن أنْ تثيره مع دول عدة. ونظر مجلس الدولة صباح الخميس الفائت في طلب منظمات عديدة تحويل الموقع إلى مسجد من جديد. وذكرت قناة “تي ار تي” الحكومية أنه سيصدر قراره خلال 15 يوماً.

تحفة معماريَّة
وآيا صوفيا تحفة معمارية شيدها البيزنطيون في القرن السادس وكانوا يتوّجون أباطرتهم فيها. وقد أدرجت على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو)، وتعدُّ واحدة من أهم الوجهات السياحيَّة في اسطنبول.
وبعد استيلاء العثمانيين على القسطنطينية في 1453، تم تحويلها إلى مسجد في 1453 ثم إلى متحف في 1935 بقرار من رئيس الجمهورية التركية الفتية حينذاك مصطفى كمال أتاتورك بهدف “إهدائها إلى الإنسانية”.
لكنَّ وضعها كان محور جدل. فمنذ 2005 لجأت منظمات مرات عدة إلى القضاء للمطالبة بإعادة جعلها مسجداً، لكنها لم تنجح حتى الآن.
وخلال جلسة الخميس، طلب النائب العام رفض طلب المنظمات، مؤكدا أنَّ قرار تعديل وضع “آيا صوفيا يعود إل مجلس الوزراء والرئاسة”.
وفي مؤشر إلى القلق الذي تثيره هذه القضية في الخارج، دعت الولايات المتحدة الأربعاء تركيا إلى عدم المساس بوضع آيا 
صوفيا.
لكنَّ إردوغان الذي يشعر بالحنين إلى الامبراطورية العثمانية ويسعى إلى كسب أصوات الناخبين المحافظين وسط أزمة اقتصادية ناجمة عن وباء (كوفيد – 19)، عبَّرَ مرات عدة عن تأييده لفكرة تحويلها إلى مسجد. وقد وصف العام الماضي تحويلها إلى متحف بـ”الخطأ الفادح”.
 
{رمز}
منذ وصول إردوغان إلى السلطة في 2003، تزايدت النشاطات المرتبطة بالإسلام داخل هذا الموقع الذي تنظم فيه حلقات لتلاوة القرآن أو صلوات جماعيَّة أمامه.
ويحلم محمود كارغوز (55 عاما) صانع الأحذية بالصلاة يوماً ما في آيا صوفيا. وقال: “إنها إرث أجدادنا العثمانيين. آمل بأنْ تسمع صلواتنا ويجب أنْ نضع حداً لهذا 
الحنين”.
ورأى أنطوني سكينر من المكتب الاستشاري “فيريسك مابلكروفت” أن تحويل آيا صوفيا إلى مسجد يمكن أن يسمح لإردوغان بإرضاء قاعدته الانتخابية وإثارة غضب أثينا التي تقيم علاقات متوترة أصلاً مع أنقرة، واستعادة الماضي العثماني.
وأضاف “لم يكن من الممكن لإردوغان أنْ يجد رمزاً على هذه الدرجة من القوة لتحقيق كل هذه الأهداف دفعة واحدة”. وكان مجلس الدولة سمح العام الماضي بتحويل كنيسة شورا البيزنطية في اسطنبول إلى مسجد في قرار اعتبره البعض اختبارا قبل بت مستقبل آيا صوفيا.
وقالت أصلي أيدين تاش باش الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن قرار مجلس الدولة “سيكون سياسيا على الأرجح نتيجة النقاشات داخل الحكومة”.
 
خطر توتر
ترى تاش باش أنه على الحكومة أن تدرس الجوانب الإيجابية والسلبية من منظور علاقاتها مع اليونان وأوروبا وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يعتبر “الدين مسألة مهمة”.
في الواقع، يمكن أن يثير قرار تحويل موقع رمزي إلى هذا الحد في تاريخ المسيحية، مثل الكنيسة البيزنطية القديمة، إلى مسجد خلافات.
وقال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو: “نحض السلطات التركية على أنْ تواصل الحفاظ على آيا صوفيا كمتحف، تجسيداً لالتزامها احترام التقاليد الدينية والتاريخ الغني، التي أسهمت في صنع الجمهورية التركية، وأتاحت لها أنْ تبقى منفتحة على الجميع”.
ويثير مصير آيا صوفيا قلق اليونان المجاورة خصوصا التي تراقب عن كثب الإرث البيزنطي في تركيا.
وفي تركيا، معارضو قرار من هذا النوع كثر. وقالت الطالبة سنا يلديز التي تدرس الاقتصاد إن “ملايين السياح يزورون الموقع كل سنة”.
واضافت “إنها مكان مهم للمسلمين لكن للمسيحيين كذلك وللذين يحبون
التاريخ”.
 
رفض فرنسي
قالت وزارة الخارجية الفرنسية يوم الخميس الفائت إن متحف آيا صوفيا، الذي يعود تاريخه إلى القرن السادس الميلادي وبٌني أصلا ككاتدرائية مسيحية في إسطنبول، “يجب أن يظل مفتوحا للجميع”.
وقال متحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية “إنه (المتحف) رمز للتسامح والتنوع، ويجب أن يبقى مفتوحا 
للجميع”. 
ويأتي تعليق فرنسا في خضم خلاف متصاعد مع تركيا بعد مواجهة قبل أكثر من أسبوعين في البحر المتوسط وانتقادات متصاعدة بين البلدين بشأن الوضع في
ليبيا.  واحتدم الجدل مؤخرا بين أنقرة وباريس في ظل سيل من الانتقادات بين البلدين العضوين في حلف شمال الأطلسي، وذلك على خلفية دعم تركيا لحكومة الوفاق الليبية المعترف بها دوليا في طرابلس في مواجهة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر الذي يحظى بدعم من الإمارات ومصر وروسيا ودول أوروبية بينها فرنسا على الرغم من نفي باريس لذلك 
الدعم.
وكان سفير الحريات الدينية في وزارة الخارجية الأميركية سام براون باك قد قال في تغريدة له على تويتر إن 
“آيا صوفيا يحمل أهمية روحية وثقافية كبيرة لمليارات المؤمنين من مختلف الديانات حول العالم”.
 
في خمس نقاط
وفي ما يلي، خمس نقاط يجب معرفتها عن هذا البناء التاريخي المدرج على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) والذي تثير طبيعة استخدامه جدلا باستمرار:
تاريخ حافل بالأحداث
أنشئ هذا الصرح المهيب في القرن السادس تحت حكم الإمبراطور البيزنطي جستنيان. وتعتبر آيا صوفيا اليوم واحدة من أهم الآثار الموروثة من العهد البيزنطي. وبعد استيلاء العثمانيين على القسطنطينية في 1453، تم تحويل الكنيسة إلى مسجد.
لكن بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية في نهاية الحرب العالمية الأولى، قرر رئيس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك في 1935 ، تحويله إلى متحف.
 
وضعها الحالي
لا تزال آيا صوفيا اليوم متحفا يزوره ملايين السياح كل عام. في العام الماضي، كانت الموقع السياحي الذي جذب أكبر عدد من السياح في تركيا، بلغ 3,8 ملايين شخص. ومع ذلك، كانت آيا صوفيا مسرحا لنشاطات مرتبطة بالإسلام في السنوات الأخيرة. في العام 2018، تلا الرئيس رجب طيب اردوغان آية من القرآن فيها على سبيل المثال.
 
لماذا الآن؟
القرار المتوقع صدوره الخميس هو تتويج لعملية قضائية طويلة.
ففي العام 2018، رفضت المحكمة الدستورية طلب جمعية تركية إعادة فتح آيا صوفيا للمسلمين. 
لكن الجدل الحالي يأتي في سياق محاولة اردوغان بكل الوسائل الممكنة حشد قاعدته الشعبية المحافظة التي تخلى جزء منها عنه خلال الانتخابات البلدية التي فازت فيها المعارضة العام الماضي في اسطنبول 
وأنقرة.
ويتهم أكبر أحزاب المعارضة حزب الشعب الجمهوري (اشتراكي ديموقراطي) الرئيس التركي باستغلال آيا صوفيا لجعل الناس ينسون الوضع الاقتصادي المتدهور حاليا.
وقالت توغبا تانييري إرديمير الباحثة في جامعة بيتسبورغ “يبدو أن اردوغان يتصدى لانخفاض شعبيته التي قد تعود أسبابها إلى الصعوبات الاقتصادية” المرتبطة بوباء كوفيد-19.
 
ردود فعل في الخارج
أعربت الولايات المتحدة واليونان اللتان تتابعان عن كثب مصير التراث البيزنطي في تركيا، عن قلقهما. 
وقال سام براونباك مسؤول الحريات الدينية في وزارة الخارجية الأميركية الأسبوع الماضي “ندعو الحكومة التركية إلى الحفاظ على (...) وضع آيا صوفيا الحالي 
كمتحف”. 
كما نددت الأسبوع الماضي وزيرة الثقافة اليونانية لينا ميندوني بهذه الخطوة. وقالت إن “هذا النصب العالمي (...) يتم استغلاله لخدمة مصالح سياسية محلية”.
وقد تؤثر إعادة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد على العلاقات بين أنقرة وأثينا التي كانت متوترة أصلا بسبب الخلافات حول استخراج الغاز في البحر الأبيض المتوسط.
 
ماذا عن الزوار؟
في حال إعادة تحويل آيا صوفيا إلى مسجد، سيبقى السياح قادرين على دخولها. كما أن المسجد الأزرق المجاور يستقبل العديد من الزوار كل يوم. لكن حال كنيسة آيا صوفيا في طرابزون (شمال شرق تركيا) التي حولت إلى مسجد في العام 2013، تدعو إلى 
التفكير.
وأوضحت إيردمير “انخفض عدد الزوار بشكل كبير بعد تحويلها، خصوصا لأنهم لم يعودوا قادرين على رؤية اللوحات الجدارية الشهيرة للكنيسة”. واضافت أن هذا القرار كان له انعكاسات سلبية على السكان الذين يعيشون على السياحة.