أيزيديات يُجبرن على ترك أطفالهن

بانوراما 2020/10/27
...

مارتن شولوف 
ترجمة: مي اسماعيل
تساقطت القنابل على مناطق بالصحراء السورية الشرقية، مخلفة حفرا كبيرة في الارض ومدمرة مواقع “داعش”، ومحررة السجينات السابقات وأطفالهن بعد سنوات تحت ظلال الرعب، لكن محنة حياة تلك النساء لن تنتهي بعد؛ ومنهن ثلاث شابات بأعمار 19، 20، و24 سنة، واطفالهن الخمس الصغار، فقد ألقيت المجوعة في آخر شاحنة غادرت مدينة الباغوز.
وقد استبدلت أعلام “داعش” السوداء بأعلام الاستسلام البيضاء، وتحركت الشاحنة الى مخيم الهول للاجئين؛ حيث أعتقل عشرات آلاف الاشخاص من المدن والقرى المحررة من داعش. 
تحركت النساء الثلاث بحذر في المخيم؛ قلقا من أن يكتشف الحراس الكرد انهن من اسيرات داعش السابقات وبالتالي سيعزلهن عن باقي المحتجزات، إذ عشن في مأزق لشهر كامل، فالتعرف عليهن قد يعني الحرية؛ لكنه قد يقود لحزن أكبر من وطأة العيش تحت أهوال داعش، متمثلا بالتفريق عن أطفالهن ربما الى الأبد. 
تحققت أسوأ تلك المخاوف بالنسبة للنساء الأيزيدات اللواتي أنجبن أطفالا من مقاتلي داعش؛ إذ طالبتهن مجتمعاتهن القاطنة شمال العراق أن يتركن أطفالهن في سوريا قبل قبول عودتهن لأسرهن، وقاد التفريق الاجباري لابتعاد النساء عن اطفالهن؛ وأُخبر بعضهن بتسليم الاطفال حال ولادتهم. 
بعد نحو سنتين من تهاوي “الخلافة” المزعومة؛ ما زالت قضية التعامل مع أطفال ولدوا لآباء متطرفين وكيفية جمع أسر تشكلت وتهدمت تحت مثل تلك الظروف؛ أمرا بعيدا عن الحل لدى المجتمعات الأيزيدية ومع المسؤولين العراقيين، وحتى أوروبا؛ التي حصلت العديد من النساء الأيزيديات على فرصة اللجوء إليها؛ لم ترحب حكوماتها بالنساء اللواتي كان لديهن أطفال من داعش، تقول د. “نعمام غفوري” (مؤسِسة “منظمة المساعدة المشتركة لكردستان”؛ وهي مؤسسة خيرية تساند النساء الايزيديات): “لدينا 22 أماً شابة تحت رعايتنا، وهناك 56 طفلا في ميتم بالرميلة- سوريا. ونعتقد بوجود عشرات أخريات من أمثال تلك النسوة والأطفال”. 
 
بين جحيم وآخر
حينما اكتُشف أمر النسوة الثلاث بمخيم الهول؛ أجرى المسؤولون ترتيبات لاعادتهن الى أسرهن شمال العراق. كانت النسوة الثلاث قد تعرضن للسبي الداعشي أواسط آب 2014 في مدينة سنجار؛ حينما اجتاحتها العصابات الارهابية من جهة الجنوب، وأطلق العنان لغضبه على مجتمع طالما استهدفه بأنه “ملحد”. تتبعت محنة هؤلاء النسوة مسيرة انتشار عصابات داعش بالكامل تقريبا وسيطرتها على مناطق غرب العراق وشرق سوريا؛ منذ أسرهن يوم 3 آب 2014، بعد اسابيع من اجتياح العصابات الارهابية للموصل وتقدمها نحو أربيل؛ حتى استسلامها على ضفاف الفرات، جرى استعباد عشرات غيرهن وتبادلهن كغنائم بين أوساط المقاتلين؛ بينما قتل آلاف الرجال (ومنهم آباء الفتيات الثلاث وإخوتهن) ضمن ما تم الاعتراف به آنذك أنه محاولة إبادة جماعية، وواحد من أكثر الأحداث إثارة للصدمة في اندفاع المتطرفين الذي دام خمس سنوات.  
تعرضت الفتيات الثلاث للاغتصاب مرارا وجرى بيعهن، قبل أن يوافقن على الزواج. تزوجت اثنتان منهن من سعوديين، والثالثة من عراقي؛ وقد قتلوا جميعا. وهناك عشرات من النساء مثلهن قد أنجبن أطفالا لرجال جاؤوا من أرجاء الارض؛ وقتل جميعهم تقريبا. 
بعد التعرف عليهن في مخيم الهول؛ أُخذت الفتيات الثلاث الى ميتم يقع شمال غرب سوريا، وطلب منهن ترك الاطفال مع المشرفات لتتم العناية بهم؛ لكي تأخذ عملية إعادة توطين النساء في موطنهن مسارها. قالت إحداهن (وعمرها الآن 20 سنة) من شقتها المستأجرة في دهوك، حيث تعيش مع أمها وأختها (وكلتاهما من الاسيرات السابقات): “نظرت إليهم وأدركت أنه لا يمكنني تصديقهم، وعندما جئت الى هنا قيل لي أن علي نسيان أطفالي؛ إذ لا يمكنهم القدوم الى هنا للعيش معي”. توسلت الأم الشابة منذ ذلك الحين للحصول على صور أطفالها من العاملين بالمخيم، وسمح لها بعبور الحدود مرة واحدة لزيارتهم لمدة اربع ساعات؛ وثُنيت عن تكرار الأمر ثانية. تمضي قائلة: “الجميع (رجال الدين لدينا وأسرتي والقيادة الكردية على الجانبين) يتصرفون وكأن ذلك الجزء من حياتي قد انتهى؛ لكنني أفضل العودة الى جحيم الباغوز على تحمل هذا النوع من العذاب”. وتقول الأسيرة السابقة الثانية إنها كانت حاملا في الشهر الثامن، حينما كانت بمخيم الهول: “وضعتُ طفلي في الميتم بالرميلة، ولم يُسمح لي برؤيته ولا حمله، لقد مررنا بالكثير؛ والآن أواجه هذا المصير”. أما الثالثة فقد استبعدت أي أمل بأن يغير قادة المجتمع الأيزيدي رأيهم حول قرار اتخذ في نيسان من العام الماضي والذي قال فيه رجال الدين أن الضحايا الناجين من الاغتصاب مرحب بهن للعودة، ولكن من دون أطفالهن. 
 
خيارات مريرة
واجه شيوخ الأيزيديين الانتقاد لاتخاذهم موقفًا غير مرن بخصوص موضوع سبّب العار لمجتمعهم؛ وقال المتحدث باسم رجل الدين الايزيدي “بابا شيخ”: “لا أريد الحديث عن الموضوع، لأنه معقد جدا”. وعبرت “غفوري” (مؤسِسة المنظمة الخيرية) عن أسفها، معلقة: “لماذا يجب على الامم المتحدة الاصغاء لثقافة أبوية يقرر فيها الرجال فقط ما هو الافضل للأسرة؟ 
ترى الفتيات الثلاث أن الحياة بعد انقاذهن أسوأ من البقاء تحت قصف العالم أجمع؛ وأن الافضل للأطفال هو ما يجب أن يكون موضع اعتبار في هذا الوضع”. وتختم الأم الثالثة (التي فضلت مثل الاخريات اخفاء هويتها الحقيقية خشية من عقاب أسرتها) عبارتها: “خياري الوحيد الذهاب للعيش خارج البلاد، وسوف أعيش في أي مكان؛ وكل ما احتاجه حكومة تقبل بوجودي وأطفالي”. 
لا تزال تداعيات الفوضى التي أحدثتها عصابات داعش تشغل العديد من المهربين الأيزيديين، الذين يحاولون انقاذ أفراد المجتمع الايزيدي المتسربين ضمن محاولة لإنقاذهم بعدما تسللوا عبر الثغور والوديان مع انهيار داعش، يقول أحدهم (وقد أنقذ أكثر من ثلاثين ناجيا؛ منهم نساء وأطفال؛ بدفع أموال فدية في سوريا): “نعرف أن بعضهم في ادلب، وآخرين في الموصل أيضا. وصل البعض الى مسارات الهجرة؛ من بينهم أمهات لهن أطفال، ولعل هذا سيكون المكان الافضل لهم؛ حتى عبر أعالي البحار في قوارب غارقة؛ فعلى الأقل سيكون لديهم أطفالهم”.
 
صحيفة الغارديان البريطانية