بيبسي الخطار

ثقافة شعبية 2021/01/09
...

حمزة الحلفي 
البيبسي كولا بنسخته العراقية ونكهته المحفوظة في ذاكرتنا النديّة، مشهد له طعم تلك السنوات الخوالي التي أهم ما كان يثير شهيتنا فيه رغوته الغازية، التي تحيل محتواه المغري الى فقاعات ملونة تفيض عن راس القنينة عند فتح الغطاء ومسماها الشعبي (السيفونة)، يحفظ باتقان في ثلاجة خشبية بعدما يرص في قاعها ومن ثم يوضع قالب الثلج المكسر فوق وما بين القناني المنتظمة، وبعد هذا تغطى بكيس سكر فارغ (ابو الخمسين كيلو) (الكونية). واحيانا يرش صاحب الدكان كفين من الملح الخشن حتى يحافظ الثلج على صلابته من الذوبان. 
ضيوفنا والبيبسي
اما قياس علاقتنا به يحددها الضيوف الكرماء الذين يجودون علينا نحن الصغار بنصف كمية القنينة بعدما يصل لهم صوت انفاسنا الصاعدة والنازلة مع كل رفعة بيبسي اما البخلاء(الماشايفين) كما كنا نسميهم من كثر حقدنا عليهم، وهم يجهزون على القنينة حتى اخرها ويردون على نظراتنا الحانقة عليهم بثلاث أو أربع ( تريوعات) مقززة كاعلان انتصار على حسراتنا وهذا مازادنا كرها لهم، وأتذكر عندما كان والدي رحمه الله يرسلني لجلب ( بطل ببسي) اكراما لقدوم احدهم من البخلاء امتثل واخرج وبيدي الفلوس والف الدربونة مرتين من امام دكان ام يحيي وارجع خاليا لاقول لوالدي (يابه معزله ام يحيى) .. يالها من لذة عظمية وأنا انظر في عيون ضيفنا الشره وتصلني خيبته وحرقته ليقينه التام اني ادعيت هذا ثأرا لما قدمه هو من خباثة سابقة.. وظل هذا المشروب السحري متداولا حتى الأيام الاخيرة من عام 2003 بعد التغيير رغم مامر به من انتكاسات اثناء الحصار بسبب عدم توفر المواد الاولية في السوق العراقية. فكانت له بدائل سيئة فمرة صنعوه من غير مادته الغازية ومرة اخرى استخدموا التمر بديلا للسكر حتى تلاشى هذا الصديق الصيفي بدخول المستورد ذات الصفيحة المعدنية عندها اختفى مشهده البهي.
الأميركان والبيبسي
ويربطنا الموضوع بطرفة حديثة شاهدتها شخصيا في صيف عام 2003 وبينما كان الجنود الاميركان يتجولون في الكرادة، توقفوا عند رجل كبير السن يبيع البيبسي العراقي، واكيد كان تصنيعا منزليا فاخذوا منه كمية من القناني واعطوه الثمن وركبوا ناقلتهم، ظنا منهم ان القنينة استخدام واحد مثل ماهو عندهم وعندنا الآن، فلحق بهم الرجل يصيح (البوش.. البوش جا انتم ماكفاكم البكتوه لحكتوني على ابطالتي) ترجل الجنود منتقمين لأنهم حسبوا ان الرجل يسب رئيسهم جورج بوش، وهم لايعرفون أن البوش عندنا هو القنينة الفارغة! ولولا تدخل المترجم بتوضيح مقصد البائع لحدث ما لا يحمد عقباه.
البيبسي والمراهنات
اغلى مراهنة كانت في المقاهي عندما يلعب الزبائن الدومينو هو (صندوك البيبسي) وقد يفوز احدهم باكثر من صندوق في اللعب المتواصل منهم من يوزعه بين رواد المقهى احتفاء بتغلبه على فلان واخر يقبض ثمنه من صاحب المقهى بنصف السعر وكان هذا القمار المغلف سائدا آنذاك، الذي لا تحاسب عليه الشرطة، وايضا كانت مراهنة على البيبسي هي الاكثر تشويقا كونها ترتبط باختبار القوة، اذ يتقابل المتباربان الاثنان ويفتح كلّ منهما قنينته وسط دائرة حاشدة من المشجعين ويضرب المتباري بوقت واحد باسفل كفه على فوهة القنينة بقوة لتنفجر من اسلفها من شدة الضغظ الغازي، فان كسر الاثنان يتعادلان وان كسر واحد دون الاخر يفوز الاول، ويؤتى له بصندوق كامل مع كل فوز، ومن ثم يهب الصناديق لجمهوره الذي كان خلف تفوقه.