النازحون العائدون.. بين غربة النزوح ونار المنازل المدمرة

بانوراما 2021/01/09
...

سامية كُلاب
ترجمة: ليندا أدور
بعد أن عاش في مخيم لمدة ثلاث سنوات، عاد مرعي حامد عبد الله (70 عاماً) الى قريته، دباجة، غرب مدينة الموصل، وهي المرة الأولى له في بلدته منذ هزيمة عصابات داعش الإرهابية، ليجدها قد أصبحت خراباً. ولكي يؤوي أسرته المكونة من سبعة أفراد، شيّد عبدالله خيمة كان قد حزمها على عجل بعد أن قررت الحكومة المركزية إغلاق مخيم حمام العليل جنوب الموصل الشهر الماضي، والذي يأتي ضمن مسعى حكومي لإغلاق جميع مخيمات النازحين مؤخراً، الأمر الذي أرغمه و8500 آخرين على العودة الى مدنهم المدمرة ومواجهة مستقبل مجهول، الى جانب عبد الله عادت 200 اسرة الى قرية دباجة النائية، اذ تنتشر في سهولها الكبيرة هياكل محترقة لمنازل مدمرة، والى جوارها، شيّد الأهالي خيامهم المزينة بشعار وكالة الأمم المتحدة للاجئين، ليسكنوها بلا ماء أو كهرباء، ليلا تغدو دباجة قطعة من السواد، «لو كان الأمر يتعلق بي، لما غادرتها مطلقا، لكن لم يكن كذلك»، يقول عبد الله بحسرة. 
 
حلول دائمة
تقول الحكومة العراقية التي تعاني من ضائقة مالية، ان الإغلاق السريع للمخيمات سيسهم في إحياء جهود إعادة الإعمار المتلكئة، فجاء تحذير مجموعات الإغاثة من أن الإغلاق المفاجئ قد يؤدي الى تشريد الآلاف من الأشخاص في أشهر الشتاء القاسية وسط تفشي جائحة كورونا، فضلا عن أن التنفيذ العشوائي للقرار يهدد بخلق نزوح جديد وانتشارهم عشوائيا وإذكاء حالة الاستياء بين المجتمع الذي لا يزال يرزح تحت ذكريات حكم «داعش» الوحشي.حتى الآن، غادر نحو 34 الف شخص، على الأقل، بعد غلق أو دمج 11 مخيما رسميا منذ منتصف شهر تشرين الأول الماضي، وقد رجحت منظمات إغاثة ان الأرقام قد تزداد مع وجود نحو 26 ألف آخرين مخيمات ثلاث أخرى من المزمع غلقها كذلك، يذكر أن 180 ألف شخص يسكنون في 25 مخيما ضمن اقليم كردستان شمالي العراق، ولا يعلم متى يمكن أن تواجه الإغلاق هي الأخرى.يُترك سكان المخيمات للعيش في منازل مهدمة أو في خيم، أو يستنزفون ما ادخروه لدفع بدلات إيجار باهظة الثمن في مناطق حضرية، تقول مارين أوليفيسي، المتحدثة باسم المجلس النرويجي للاجئين: «إخراج الناس من المخيمات، قد يبدو  انه إنهاء للنزوح، لكنه لا يحل الأزمة، في ما يتعلق بتوفير حلول دائمة له».
 
دق ناقوس الخطر
أدت الحرب التي خاضها العراق ضد عصابات داعش الإرهابية للفترة من 2014 حتى العام 2017، الى نزوح نحو ستة ملايين عراقي من منازلهم، اذ يشكلون ما يقرب من 15 بالمئة من السكان، ووفقا لمسح أجراه المجلس النرويجي للاجئين، فإن نحو 75 بالمئة من سكان مخيم حمام العليل لا يمكنهم العودة لأن منازلهم قد دمرت. ففي مخيم ليلان، غربي مدينة كركوك، تم إعطاء نحو سبعة آلاف نازح مهلة أيام لحزم أمتعتهم والمغادرة، ما دفع الأمم المتحدة لدق ناقوس الخطر عندما كشفت أن 30 بالمئة من العائدين لا يحظون بسكن «آمن أو لائق» منذ مغادرتهم المخيمات.
عن دفع النازحين نحو العودة لمناطقهم، يشير مسؤولون حكوميون الى أنه يمكن لمجموعات الإغاثة التحول من إدارة المخيمات الى المساعدة في التنمية، يقول نجم الجبوري، محافظ نينوى: «نريدهم أن يعودوا ليسهموا بإعادة بناء مدنهم وقراهم، هم بالتأكيد سيعانون، لكن هذا لا يعني ان نبقيهم في المخيمات دون موعد نهائي».
ويقول آزاد داوود، نائب رئيس دائرة الهجرة في الموصل، انه كمثال على ما يأمل المسؤولون في نينوى بتكراره في أماكن أخرى، 
ساعدت المنظمة الدولية للهجرة، التابعة للأمم المتحدة، مؤخرا، النازحين في مخيم السلامية بتقييم كلفة إصلاح منازلهم، وخلافا لما ذكره عشرات العائدين، يشير داوود 
الى أن النازحين منحوا خيار البقاء في المخيمات إذا اعتبرت مناطقهم الأصلية غير آمنة.
 
اعتراضات حادة
على الرغم من الضغط على الحكومة والأمم المتحدة من قبل محافظ نينوى لتقديم المزيد من المساعدات، بالتزامن مع انخفاض درجات الحرارة، قال معظم العائدين بأنهم لا يستطيعون الانتظار أكثر، فمن حي التنك بالموصل، يقول غانم خلف (41 عاما)، أب لخمسة أطفال، وقد غادر مخيم جادة منذ أشهر، متفقداً الخندق الذي حفره بيديه العاريتين لمنع مياه الصرف الصحي من أن تغمر منزله المكون من طابق واحد كلما أمطرت: «علينا أن نبقى هنا، لا خيار آخر لدينا».
مع إخلائها المخيمات، ليست لدى الحكومة خطة لعودة أسر الدواعش من زوجات وأرامل وأمهات، الذين يتعرضون للتمييز ويخشون انتقام عشائرهم. تقول سهى أحمد، أرملة وأم لخمسة أطفال، أصغرهم في الثالثة من العمر، وقد اصطفت الشاحنات لجمع متعلقاتهم من مخيم ليلان، بأنها لا تستطيع العودة الى قريتها جنوبي كركوك، على الرغم من تبرئها من زوجها الداعشي، «لا أعرف الى أين أذهب».
في مدينة سنجار، لا تزال الذكريات المؤلمة حاضرة عن تدمير مسلحي داعش لقرى الإيزيديين، ومنظر الرجال منهم وقد اصطفوا لإعدامهم بالرصاص واستعباد الآلاف من النساء. ورغم الاعتراضات الحادة، يبدو أن السلطات ماضية بإغلاق جميع المخيمات، فيقول الجبوري: «إن بقاء هذه الأسر في المخيمات سيولد جيلا جديدا من الدواعش في العراق.. إنهم بحاجة لدمجهم بالمجتمع وتغيير أفكارهم».