العُزلة الخطرة

بانوراما 2021/01/31
...

قيس قاسم العجرش
 
نجد في عموم دراسات ما بات يسمى «الحرب في العراق»، تشخيصاً لأهم ملامح انحدار الوضع العراقي منذ مطلع ستينيات القرن الماضي. إذ نجد تركيزاً على إبراز دور (عُزلة) العراق التي تنامت بهدوءٍ خطر، من دون أنْ تدرك الحكومات والدكتاتوريات المتعاقبة أنَّ مقتلها سيكون في هذه الحُفرة التي لا يبدو أنها كانت تخيفهم.
وتوصيف «الحرب في العراق»، صار توصيفاً أكاديمياً وإعلامياً يعبّر عن الحروب الأربع التي تورّط بها العراق خلال السنوات الخمسين الأخيرة، وخسرها كلّها.
العُزلة السياسيَّة ربما كانت مبكّرة جداً في ظهور ملامحها، وتتجاوز حتى السنوات الخمسين التي نتحدّث عنها. 
ولسببٍ ما، تصوّر حُكّام العراق في تلك الحِقبة، أنَّ العزلة في عالم القطبين بعد الحرب العالميَّة الثانية، ستكون نوعاً من الفضيلة التي يتباهون بها أمام الشعب، كما أنها ستُحسب لصالح معنى الخطاب «الوطني» الذي كانوا يعاقرونه في العَلن.
لكنَّ المنتج الفعلي لستراتيجيَّة الانغلاق هذه، تمثّل في اقتصادٍ أحادي متجذّر، وصناعة تعتمد على استيراد الخطوط الإنتاجيَّة كاملة، وغيابٍ شبه تامٍ للعراق من خارطة السياحة العالميَّة، وقطيعة ثقافيَّة ما زلنا ندفع أثمانها الى اليوم، وغيرها من العوامل التي أسهمت - وهنا مدعاة للسخريَّة- في سهولة تقويض هذه الأنظمة تباعاً الى غاية العام 2003.
يقول آشتون روبرتسون -وهو مؤلف كتاب «موعد مع رجالات صدّام»- عن هذه العزلة: إنها كانت السبب الرئيس لهزيمة نظام البعث عام 2003 أمام غزو التحالف، لم يُقم ذلك النظام أي نوع من الأحلاف مع الآخرين بما يمكّنه من الصمود والبقاء، واعتمد على رفع جُرعات التخويف الداخلي.
وحين سقط، وجد بالفعل تعاطفاً معه، لكنه لم يجد أي شخص في هذا العالم كلّه ليقف معه بأي شكلٍ من الأشكال.
يبقى أنَّ العزلة خطرة، سواء للدكتاتوريات، أو للديمقراطيات التي سيكون خطراً كبيراً عليها لو أنها نشأت بلا أصدقاء يمثلون عمقاً لها.