لماذا تختار الجماعات اليمينيَّة المتطرفة رموز الشمال

بانوراما 2021/02/28
...

توم بريكيت 
ترجمة: مي اسماعيل
هناك تاريخ طويل كشف استخدام جماعات أقصى اليمين رموزا شمالية (= مأخوذة من تراث دول شمال أوروبا الاسكندنافية. المترجمة)؛ ومن أحدث النماذج هنا “جيك أنجيلي”، مؤيد الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي كان من بين مقتحمي مبنى الكونغرس الأميركي مرتديا قبعة ذات قرون ومستعرضا وشومه.
كان من بين الصور التي برزت عن حادثة اقتحام الكونغرس الفوضوية دون شك رجل عاري الصدر يختال مرتدياً قبعة من الفرو ذات قرون وطلاء على الوجه. انتشرت صوره حول العالم؛ وبدا أنه يمثل صفاقة المقتحمين للاستيلاء على مقر السلطة. ومنذ تلك اللحظة وصف بأنه أحد ناشطي أقصى اليمين من أريزونا، واسمه “جاكوب تشانسلي”؛ المعروف ايضا باسم “أنجيلي”. وسرعان ما زُعم أنه من أتباع جماعة نظرية المؤامرة “كيوآنون”، وسبقتها اشاعات كاذبة أنه عميل مزروع من جانب (أنتيفا (antifa) حركة احتجاج سياسي تضم مجموعات مستقلة معارضة بددة للفاشية وأشكال أيديولوجية اليمين المتطرف. المترجمة). لكن أحد الدلائل الواضحة لانتماء أنجلي السياسي يتبين من شكل وشومه؛ فعلى صدره تظهر مطرقة “ثور” الكبيرة المعروفة باسم “ميولنير-Mjölnir”، وما يبدو أنه صورة لشجرة العالم الإسكندنافية “ايغدراسل- Yggdrasil”.
 
رموز مستعارة
مطرقة ميولنير هي أحد الرموز المؤكدة التي يستخدمها أتباع نظام المعتقد الإسكندنافي الأصلي؛ ربما لاستجلاب حماية “ثور” إله الرعد في الاساطير الشمالية. أما “ايغدراسل” فهي شجرة الرماد الاسطورية العملاقة التي تسند سماء الشمال، وتصل فروعها الى ارتفاعات لا يطالها البشر، وجذورها الى عالم الموتى. وبعكس مطرقة ثور؛ لم يرسم الفايكنغ الشجرة إلا قليلاً، والنمط المستخدم حاليا تمثيل حديث لها. هناك ايضا وشم لرمز يحتل موقعا مركزيا في الاساطير الاسكندنافية والاكثر اثارة للجدل؛ هو “فالكنوت- Valknut”، ظهر على حجرين منذ عهد الفايكنغ لمناظر من الاساطير الشمالية. ورغم أنَّ معناه الاصلي ليس واضحاً؛ لكن يبدو أنه يرتبط عادة بــــ”أودين” كبير الآلهة؛ وهو المسؤول عن جمع المقاتلين القتلى في “فالهالا”، وقد يشير لتمجيد الموت في المعركة.
يزعم أنجيلي أنه يرتدي ملابسه الغريبة تلك للفت الانتباه لنفسه، ولكنْ هناك حتماً سببٌ آخر للبنطال منخفض الحزام ولعدم ارتداء القميص؛ فهو يستعرض تلك الوشوم لرغبته في أنْ يراها الآخرون ولإحداث أثر أكبر.
كثر من الناس لديهم الوشوم ذاتها التي تعبر عن معتقدهم الوثني الجديد، أو أصولهم الاسكندنافية أو اهتمامهم بالأساطير ولكن لا يوجد شك أن حركات اليمين المتطرف المتنامية تبنت تلك الرموز. ويمكن أنْ نفهم موقع أنجيلي من ذلك المسار بمشاهدة وشم أقل ظهوراً من غيره على كتفه الأيسر؛ وهو وشم أشار عدد من الاكاديميين (ومنهم عالم الآثار “كيفن فيلبروك سميث”) الى أنه يبدو نسخة من رمز “سونينراد-Sonnenrad” أو- قرص الشمس. وأدرجته “رابطة مكافحة التشهير” (منظمة غير حكومية تعنى بالدفاع عن الحقوق المدنية، مقرها الولايات المتحدة. المترجمة، عن موسوعة ويكبيديا) على أنه.. “احد الرموز الأوروبية القديمة التي استخدمها النازيون في محاولتهم لاختراع تراث آري أو شمالي نموذجي”. يضم الرمز غالبا الصليب المعقوف؛ ولكن لأنه يُرسم ومركزه فارغ، يسهل على دعاة تفوق العرق الأبيض ملء الفراغ بما يريدون.
لغة بمعانٍ مبطنة
هناك تاريخ طويل لاستخدام الجماعات اليمينة لرموز الشمال؛ إذ كانت مما يفضله “هملر” (من أعوان هتلر، قائد البوليس السري “الغستابو” والشرطة العسكرية “SS”. المترجمة). استلهم هملر شعار الشرطة السرية “SS” من الرموز الشمالية، كما كان الصليب المعقوف “swastika”  من الرموز الأوروبية التي عُثر عليها محفورة (بأشكال متنوعة) على الصخور والآثار، ضمن الأبجدية الرونية للغة النوردية القديمة. هذا الاقتباس السلبي استمر بعد سقوط الرايخ الثالث؛ وإن يكن بنمط أكثر تكتماً؛ فالنازيون الجدد (خاصة منهم الذين لا يملكون الجرأة الكافية لارتداء الصليب المعقوف) يتجهون لاستخدام رموزٍ أقل شهرة. ومنها التمثيل الرقمي لمقولة “تحية لهتلر-Heil Hitler” برقم “88”؛ لأن “H” الحرف الثامن في الابجدية الانكليزية، أو تمثيل مقولة “الاخوّة الآرية-Aryan Brotherhood” برقم “12” (الحرفين الاولين من الكلمتين). ويُفضّل دعاة اليمين المتطرف أيضا رموزاً أخرى من الكتابات الأثرية الجرمانية والتي تنقل رسائل 
مشابهة. أحد تلك الرموز “أوثالا-Othala”  الروني الاسكندنافي القديم؛ ويعني “الأرض الموروثة”، وهو كثير الظهور على شعارات جماعات الشعبويين البيض، من أوكرانيا الى الولايات 
المتحدة.
هذه الرموز “المشفّرة” كلها، واخرى حديثة الاستعارة من الاساطير الاسكندنافية، صعبة التحديد والادانة. وقد ألغت محطة “سكاي” مؤخرا أحد برامج تلفزيون الواقع بعدما اشتكى المشاهدون من ظهور متسابق تغطي جسمه الوشوم (وبضمنها وجهه)، والذي يمكن أن يجري تأويلها بدلالات اليمين المتطرف. ولكن اذا كان عموم الناس لا يستطيعون ملاحظة بعض الرسوم المعينة؛ فإن تلك الرموز تمثل لغة ذات معانٍ مبطنة يفهمها المنتمون لحركة “التفوق الأبيض” المتزايدة الانتشار عالميا. يرى العديد من الباحثين أن الطريقة الامثل لمواجهة سوء استخدام جماعات اليمين المتطرف لرموز الشمال تتمثل بإغراقها بالتمثيل الايجابي الدقيق للأساطير الاسكندنافية. ولكن، علينا التفكير عميقا لايجاد المقاربة المناسبة لمواجهة حركة عالمية متطرفة حقا، خصوصا بعد صورة أنجيلي وتمرد اليمين المتطرف، وقبلها حادث اطلاق النار الجماعي سنة 2011 في النرويج بيد “أندرياس بريفيك”؛ الذي أطلق أسماء آلهة أساطير الشمال على أسلحته، وحادثة نيوزيلندا على يد “برينتون تارانت” وتلميحاته الى فالهالا (باللغة النوردية القديمة؛ فالهالا “قاعة المقتولين”: قاعة مهيبة تقع في أسغارد/ العالم الآخر، يذهب إليها قتلى المعارك ليعيشوا 
بسعادة.المترجمة، عن موسوعة ويكبيديا). فعلى الباحثين بتراث الشمال والاساطير الاسكندنافية كشف اساءة استخدامها، والا فسيواجه العالم مخاطر التوظيف الضبابي لمبدأ “أساطير الشمال” كوسيلة اضافية للتجمع حول قضية التفوق الابيض العنيفة. 
موقع “فاست كومبني”