هل سيُكمل بايدن سياسة أميركا الوهميَّة مع كوبا؟

بانوراما 2021/06/11
...

 وليام إم ليو غراندي
 ترجمة: شيماء ميران
بينما يفكر الرئيس الاميركي جو بايدن بما ينبغي فعله مع كوبا، يجب عليه مقاومة الوهم، الذي تبناه العديد من أسلافه عبر المزيد من الضغط الاميركي عليها وإخضاعها للرغبة الاميركية. وستون عاما من التاريخ دليل على التناقض. 
وهذا الوهم له أصل بعيد الامد. فبعد تدهور العلاقات في العام 1960، 
حاول فيليب بونسال السفير الاميركي محاولة اخيرة من اجل التسوية. وكان الجواب المقتضب من توماس مان، مساعد وزير الخارجية آنذاك: «رهاننا الافضل هو انتظار نظام يخلفه».
 
وما زالت واشنطن تنتظر منذ ذلك الحين.
وحاول رؤساء اميركا المتعاقبون، وعلى مدى عقود من الزمن، إقناع انفسهم ان كوبا على شفا الانهيار ويمكن دفعها إلى ذلك بفرض عقوبات اكثر صرامة، إذ كان دوايت أيزنهاور، ‏الرئيس الاميركي الراحل يعتقد ان التوقف عن استيراد السكر الكوبي قد يُعيد الثورة قبل نهاية مدته الرئاسية. 
اما جون كينيدي فاعتقد أن خليج الخنازير والحرب السرية لوكالة المخابرات سيفيان بالغرض.
بينما كان ليندون جونسون يأمل بتضييق الخناق على نظام كاسترو عبر 
تجنيد اميركا اللاتينية ومعظم اوروبا للانضمام إلى الحظر الاميركي.
وغضّ ريتشارد نيكسون الطرف عن هجمات المجاميع الكوبية في المنفى، بينما ضاعف رونالد ريغان العقوبات الاقتصادية ووضع كوبا على قائمة الدول الارهابية، وكل ذلك كان من دون جدوى.
ورغم الاخفاقات المتكررة، استمر الأميركان بإقناع انفسهم بأن سياسة الضغط ستؤتي اُكلها.
وعندما تفكك الاتحاد السوفييتي، تأكدوا ان كوبا هي الدولة الشيوعية التالية.
وفي آب 1993، استنتجت المخابرات الأميركية أن «هناك فرصة أفضل من سقوط حكومة فيدل كاسترو خلال سنوات قليلة مقبلة».
وتشير التداعيات الواضحة إلى انه لم تكن هناك جدوى في السعي إلى التسوية مع خصم على وشك الانهيار.
وحين تمكنت كوبا من تجاوز المحنة، تحول المنطق، إذ كان فيدل كاسترو هو العمود الفقري الذي يربط النظام مع بعضه، وبوفاته سيتلاشى النظام معه.
وفي العام 2006، تعرض إلى وعكة صحية ونُقلت السلطة على اثرها إلى اخيه راؤول كاسترو، ما جعل توماس شانون مساعد وزير الخارجية في إدارة جورج بوش الأب آنذاك يتوقع النهاية الوشيكة للنظام، وأوضح: «ان الانظمة الديكتاتورية مثل الهيلوكوبتر، فهناك آليات فشل في نقطة واحدة، فحين يختفي القائد الديكتاتوري من النظام، يبدأ هذا النظام بالتخبط، وهذا ما نراه في كوبا».
سياسة الضغط أم الانفتاح؟
ومع ان انتقال السلطة إلى راؤول كان سلسا، ما استلزم إيجاد سبب منطقي آخر لسياسة اميركا مع فنزويلا.
إذ كان يُزعم بأن كوبا تعتمد على النفط الفينزويلي رخيص الثمن، وعند انهيار نظام نيكولاس مادورو غير الكفوء، والذي كان بالتأكيد تحت الضغط الاميركي، فان خسارة النفط قد يشلّ الاقتصاد الكوبي ويدفع النظام إلى الانهيار.
ورغم تراجع شحنات النفط الفنزويلي إلى النصف، ما زالت كوبا صامدة.
كان باراك اوباما هو الرئيس الاميركي الوحيد الذي أعلن بصوت عالٍ ما يعرفه الجميع منذ سنوات، بأن سياسة العداء هي بمثابة امبراطور عارٍ.
فوصف اوباما السياسة القديمة عند اعلانه سياسة المشاركة الجديدة مطلع العام 2017: «انه نهج قديم منذ عقود، وفشل في تعزيز مصالحنا».
ومع ان المؤيدين للعقوبات الاميركية، اتهموا سياسة اوباما بالفشل في جلب الديمقراطية إلى كوبا قبل عامين من رفض دونالد ترامب لها، اشادوا باستئناف العقوبات التي فشلت منذ ست سنوات. 
وبحسب رأيهم، وصلت كوبا مرة اخرى الى حافة الانهيار، ومن المفترض ان التاثير الاقتصادي لجائحة كورونا وتقاعد راؤول كاسترو، الذي اصبح قائدا مؤثرا اكثر مما توقعه الاميركان، هي الضربة الخاطفة التي ستنهي الشيوعية اخيرا في كوبا. 
اما الرئيس جو بايدن فقد دعم سياسة اوباما بالانفتاح على كوبا، ووعد خلال حملته الانتخابية العام الماضي باستئناف 
المشاركة.
لكن تشير المؤشرات المبكرة للمسؤولين الأميركان الجدد إلى نقاش داخلي للعودة الى سياسة اوباما، وترك بعض عقوبات ترامب على حالها.
وربما يمكن تحقيق مكاسب سياسية محلية عبر الاحتفاظ بالوضع الحالي، لكن من دون أن يدعي أحد أنها ستقدم أي شيء إيجابي كسياسة خارجية.
وفي غضون ذلك يكون الشعب الكوبي هو الذي يعاني من تأثيراتها وليس الحكومة الكوبية.
تتطلب السياسة الكوبية الفاعلة عقلية واقعية تُدرك عدم قدرة واشنطن على فرض إرادتها على كوبا الى الأبد.
وينبغي على صُناع السياسة الأميركان التخلي عن الوهم بأن العقوبات ستقودهم للنصر، وعليهم العمل مع نظام ربما لا يتفقون معه، وأنه نظام لن يختفي قريبا.