الاخلاق الاقتصادية

اقتصادية 2021/11/07
...

محمد شريف أبو ميسم 
من الفضائل التي تسعى لها الأمم في تشكيلاتها وتشابكاتها المجتمعية، ويدعو لها الجميع - أفرادا ومؤسسات - في ظل كل أنواع النظم الاقتصادية، تنبري فضائل الأمانة والصدق والاخلاص والاتقان والانصاف والعفو والتسامح والإيفاء بالعهد لتأخذ الصدارة في المنظومة الاخلاقية الاقتصادية، بينما تسحب خلفها تشكيلات قيمية كبيرة تسهم وبالضرورة في زيادة تلاحم الأفراد والجماعات، وفي كفاءة الاداء المؤسسي والفردي ضمن علاقات وتشابكات السوق والوحدات الاقتصادية، لتكون الثقة محصلة التعاملات والتداولات ومحركا للاقتصاد الجزئي باتجاه اقتصاد كلي ينطبق عليه، ما أورده آدم سميث بشأن ما أسماه {اليد الخفية} في كتابه {ثروة
الأمم}. 
واليد الخفية تعبير يراد به الاشارة الى دور الأفراد في ارتقاء مصلحة المجتمع وهم بصدد تحقيق مصالحهم الشخصية، ثم أخذ هذا المفهوم يتسع ليشمل عموم الفعاليات والحركات خارج سياقات المناهج الاقتصادية، التي تسهم بالتأثير في مخرجات السوق وفعالياتها، وصولا في التأثير على المشهد الكلي، بعيدا عن الفضائل، وربما قريبا من الرذائل الاقتصادية (اذا جاز التعبير)، كما أرادها {ميلتون فريدمن} الذي ألبس فكرة اليد الخفية رداء ليبرالياً لفرض سلطة رأس المال حين فسرها {بفرص التعاون بدون اكراه} ويقصد تحرير رأس المال من قيود القوانين، التي تحاول الوصول بعلاقات السوق الى مستوى الفضيلة التي جاء بها علم 
الاقتصاد.
والجدير بالذكر هنا ان المعنيين بعلم الأخلاق يضعون الفضيلة بين اثنين من الرذائل، كما توضع الشجاعة بين الجبن والتهور، والترشيد بين التقتير والهدر لتكون هذه الفضيلة نموذجا للوسطية، فجاء الاقتصاد ليكون وسطا بين البخل والاسراف وقرينا 
للفضائل.
بينما لا يرى المراقب أية دلائل تشير لهذه الفضائل على مستوى الاقتصاد العالمي، الذي تحتكره طائفة من البشر لا تزيد نسبتها عن 1 % من مجموع سكان الأرض، في توزيع للثروة لا يكاد يعرف الأخلاق، اذ يملك نحو 18 مليون انسان، من مجموع ثمانية مليارات نسمة، نحو
80 % من الثروات.
وعلى هذا الأساس، احتاط {مهاتير محمد} حين حاول الانتفاع من العولمة، معتمدا على المنظومة الأخلاقية والقانونية التي أسس لها في ماليزيا، بينما حاول الرئيس البرازيلي {لويس لولا داسيلفا} أن يحتاط ولكنه لم يفلح وهو بصدد الانتفاع من العولمة، وعلى هذا تجد البرازيل من مجموعة العشرين ولكن 30 % من شعبها يعيش تحت 
خط الفقر، ومن هذا المنطلق ندعو لاستحداث مؤسسات معنية بالفضائل الاقتصادية ونحن ازاء تحول كلي نحو اقتصاد ليبرالي.