انهيار كبير وغير مسبوق في سعر صرف الليرة اللبنانيَّة

اقتصادية 2021/12/15
...

  بيروت : أمين ناصر 
أيّام صعبة يعيشها اللبنانيون، الذين يئنون تحت وطأة أزمة اقتصادية تعد الأسوأ في تاريخه.
وأسوأ انعكاسات هذه الأزمة هو الانهيار المستمر للعملة الوطنية مقابل الدولار الأميركي، حتى وصل سعر الدولار في السوق السوداء، في الأيام الأخيرة، الى أسعار قياسية تخطّت 26 ألف ليرة للدولار الواحد. يتزامن هذا الانهيار مع عقم سياسي تسبب في تعطيل الحكومة ومن ثم تعطيل أي حل يمكن أن يخفف من حدة هذه الأزمة على المواطن.
لا شيء يشي بانفراجةٍ قريباً، لا بل الخوف الأكبر من أسوأ لم يأتي بعد، هي الجملة التي يردّدها المواطنون والخبراء الاقتصاديون على حدّ سواء، فكل المؤشرات، منذ اندلاع الأزمة الاقتصادية عام 2019 حتى اليوم، سلبية سياسياً واقتصادياً، وهو ما ينعكس سلباً على سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الذي يتصاعد بشكل جنوني وقياسيّ، لامس حدود الـ 27 ألف ليرة لبنانية.
 
أسباب الارتفاع 
الجدير ذكره أن سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الليرة اللبنانية تتحكم به السوق الموازية أو ما يُعرف بالسوق السوداء، ولأن حركة ارتفاع وانخفاض سعر الصرف هو في السوق السوداء، فلا إمكانية لمعرفة كيفية تركيب هذه الأسعار، ومن ثم هي عُرضة للمضاربات غير الشرعية والتغيرات نتيجة أجندات سياسيّة يمكن فرضها على هذه السوق، ولا سيّما ان التطبيقات التي تحدّد سعر الصرف هي تطبيقات مشبوهة.
وفي هذا الإطار، يشير الخبير الاقتصادي البروفيسور جاسم عجاقة في حديث لـ “الصباح” إلى أن “الارتفاع الأخير لسعر الصرف كان نتاج شراء بضعة صرّافين أو أشخاص ما يُقارب 23 مليون دولار عبر السّوق السوداء، مع العلم أن هذا المبلغ يساوي ضعف حاجة السوق اللبنانية اليومية (أي عشرة ملايين دولار أميركي)،  ويشدّد عجاقة على وجود نوايا سيّئة مخفية خلف تلك العمليّة”.
يصف عجاقة تداعيات الارتفاع في سعر الصرف ووصوله إلى أرقام قياسية بالكارثية، فلا دولار للتجّار إلّا عبر السوق السوداء، ومن ثم فإن أسعار السّلع ستتأثر حتماً بهذه العملية، وهو ما سيؤدي بحسب عجاقة في نهاية المطاف إلى إفقار الشعب اللبناني أكثر وأكثر، ولا سيّما في هذه المرحلة، في ظلّ عدم قدرة الدولة على زيادة الأجور. يجمع الخبراء الاقتصاديون على أن التنبؤ بأسعار الصرف المستقبلية غير ممكنة، رغم أنهم يضعون توقعات معينة بالنظر إلى مسار السوق وتقلباته والذي يُظهر تصاعداً منذ بدء الأزمة.
يرى عجاقة استحالة التنبؤ بسعر الصرف ويعود إلى أن الأسعار غير ناتجة عن عمليات اقتصاديّة، بل هي نتاج تلاعب ومضاربة بالدرجة الأولى وعمليات احتكار وأجندصصات سياسيّة.
ويشرح عجاقة عملية تحديد الأسعار في الاقتصاد الطبيعي، مشيراً إلى أنها تتحرّك وفق قاعدة العرض والطلب، وبما أن الدولار في لبنان هو سلعة يحدّد السوق سعرها، وفق ما قاله حاكم مصرف لبنان رياض سلامة منذ بداية الأزمة، يفترض بالعرض والطلب تحديد السعر.
التحويلات الخارجيَّة يُقدّر حجم تحويلات المغتربين إلى لبنان سنوياً بين 6 -7 مليار دولار، ويعتمد معظم اللبنانيين اليوم على تلك التحويلات لتدعيم أوضاعهم في ظلّ الحياة المعيشية الصّعبة، لكنّ تأثيرَ هذه التحويلات على أسواق المال، رغم إيجابيته، يبقى موضعياً وبسيطاً، والسّبب في ذلك غياب تطبيق القوانين، وعلى رأسها مكافحة الاحتكار والتلاعب بالأسعار.وتزيد التحويلات الكتلة النقدية للدولار في السوق، ومن ثم، من المتوقّع أن يرفد المغتربون في فترة الأعياد السوق بدولارات تفوق ما يحوّلونه عادةً بنسبة 20 بالمئة، لكن من غير المتوقّع أن تخفّض هذه الزيادة سعر الدولار، لأن ما يُحوّل يُستخدم عادة في الاستهلاك والادخار، وبذلك لا تُعرض هذه التحويلات في السوق.
 
مصرف لبنان 
القرار الأخير للمصرف المركزي اللبناني، القاضي برفع سعر صرف الدولار المصرفي (المعروف باللولار) من 3900 ليرة لبنانية إلى 8 آلاف ليرة وتحديد سقف السّحب الشهري عند حدّ أقصاه ثلاثة آلاف دولار أميركي للحساب الواحد، أثار مخاوف مرتبطة بضخّ إضافي للسيولة النقديّة بالعملة المحلية، مما يتسبّب بتضخّم إضافي ينتج عنه تدهور إضافي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار في السّوق السوداء. كما يُتخوَّف من زيادة الطلب على الدولار، فتتسبب المضاربات في ارتفاع سعره أكثر. وعليه اعتبرت مصادر جمعية المودعين اللبنانيين بحديث لـ “الصباح” أنه “إذا أردنا الأخذ بالوضع الحالي من دون حلول جدية من قبل الحكومة ومن دون الأخذ بعين الاعتبار التأثيرات المضاعفة، فإنّ الدولار قد يرتفع إلى حدود 50 ألف ليرة قريباً».
وتساءلت المصادر عن سبب إقدام المصرف على هذه الخطوة، التي كان رفضها سابقاً لأنها تسبّب تضخّما مفرطاً نتيجة زيادة الطباعة وتضخّم الكتلة النقدية من 45 ألف مليار إلى 85 ألف مليار.