تصريحات وزير المالية تحت مجهر الخبراء

اقتصادية 2021/12/28
...

 بغداد: حسين ثغب ـ فرح الخفاف 
أجمعت الاراء الاقتصادية على ضرورة العمل باتجاه تحقيق اصلاح اقتصادي يعالج أخطاء المرحلة السابقة، التي لم تتمكن من تحقيق تعدد في الموارد رغم توفر مقومات النجاح من ثروات وموارد بشرية، ووصف حديث وزير المالية بالسليم في جوانب وغير سليم في جوانب اخرى، ولكن بالمحصلة النهائية وجود فشل في الاداء الحكومي قاد الى هكذا تصريحات، والوقت مناسب لتبني الحلول والعمل على تهيئة الاجواء المناسبة لجذب الاستثمارات المالكة لرؤوس الاموال والتقانات المتطورة لتنعش الاقتصاد الوطني وتنقله لمرحلة افضل، في وقت يتطلب الابتعاد عن التصريحات التي تخلق الذعر لدى الشعب. 
وقال الخبير المالي ثامر العزاوي لـ {الصباح}: إن {توقعات وزير المالية بحدوث أزمة مالية بعد عشر سنوات أو أكثر سليمة وغير سليمة في الوقت نفسه، فهي سليمة اذا بقي العراق معتمداً على واردات النفط فقط من دون الخروج من الاقتصاد الأحادي الجانب، وسط ترجيحات بانخفاض الطلب عليه مستقبلا، وغير واقعية في حال تم السير في خطة إصلاح حقيقية}.
 
احتياطي مالي
واضاف {اما بشأن تسريح آلاف الموظفين، فهذا الأمر صعب التحقق، اذ إن أي ازمة لا يمكن ان تحدث فجأة لبلد مثل العراق الذي يمتلك احتياطيا ماليا جيدا، لذلك التوقع الأقرب انه يتم خلال السنوات المقبلة إيقاف التعيينات او تقنينها بشكل أوسع من السنوات الماضية، وبذلك فان اعداد الموظفين تبدأ بالانخفاض مع إحالة اعداد كبيرة منهم على التقاعد الذي تصرف له مبالغ مالية أقل}.
وتابع العزاوي: ان {تحذير وزير المالية يعد ذكياً، اذ انه استهدف فيه الشريحة الأهم من الناحية الاقتصادية، خاصة ان رواتب الموظفين توفر الكتلة النقدية الأكبر للسوق العراقية، وبتسريح آلاف او انخفاض الكتلة، فان الكساد سيكون هو الطاغي، لذلك فان الوزير اراد ايصال رسالة مسموعة ومقروءة، مفادها بعدم الاستهانة من المخاطر، ويجب تطبيق الورقة البيضاء او أي إصلاحات متاحة}.
 
جذب الاستثمارات
المختص بالشأن الاقتصادي حيدر البغدادي أكد أن {تصريحات وزير المالية يمكن أن نعدّها جرس إنذار للعمل باتجاه تحقيق تعدد في المواد وتضافرالجهود من الجميع لخلق بيئة عمل تجذب الاستثمارات}. 
وبين أن {اعداد الموظفين في العراق مرتفعة وتتجاوز النسب العالمية بعدة أضعاف بحسب التحديات، وان تسريح الموظفين يتطلب وجود قاعدة بيانات بأعدادهم، وهذه مهمة مجلس الخدمة الاتحادي}، لافتا الى {ضرورة الوقوف عند الأعداد الحقيقية لمتعددي الرواتب، وهل فعلا يوجد فضائيون في الدوائر الحكومية}.
 
خطوات النهوض
واشار الى ان {أي تفكير بهذا الاتجاه يتطلب خلق فرص حقيقية لأعداد الموظفين، وفي حالة عدم وجود فرص عمل ستكون النتائج تعقيدا لواقع البلاد وستكون هناك مشكلات اجتماعية اقتصادية}، لافتا الى ان {واقع البلاد يشير الى إمكانية العمل باتجاه تعدد الموارد، وهذا امر ممكن في ظل وجود مقومات نجاح خطوات النهوض الاقتصادي، والتي يجب أن يكون القطاع الخاص الفيصل لها خلال الفترة المقيلة}.
وشدد على {ضرورة خلق الأجواء المناسبة لتحريك سوق لعمل لتلاقي الأخطاء السابقة والعمل باتجاه تحقيق تعدد في الموارد}.
 
مشكلات البلاد
الى ذلك بيَّن المختص بالشأن الاقتصادي راجي نصير وقال خلال نقاش على منصة الكترونية تابعته {الصباح} أن تصريحات وزير المالية د. علي علاوي بشأن احتمال تسريح جميع موظفي الدولة العراقية بعد 10 سنوات.. تحتاج الى اعادة نظر لماذا؟، لانها اعلان فشل الاداء الحكومي، في وقت جاءت الورقة البيضاء لتحل مشكلات البلاد الاقتصادية، ولنتجاوز مثل هذه التحديات، كما ان مسؤوليات الحكومة الاساسية تهدئة مخاوف المواطن واشاعة الامل، من خلال مشاريع وبرامج 
مدروسة}.
 
اشاعة الرعب
واشار الى {أهمية الابتعاد عن اشاعة الرعب والاضطراب داخل الرأي العام، من كثرة المشكلات السياسية والاقتصادية والامنية والاجتماعية وغيرها، كما إن وزير المالية يجب أن يميز بين الحديث وتقديم البحوث في المؤتمرات العلمية النخبوية المغلقة، والتي يقدم فيها البعض ما يعتقده من آراء بشأن قضايا مختلفة، قد تقبل وقد ترفض وتدحض من اخرين، وبين مخاطبة رأي عام ثلثه تحت خط الفقر، بحسب احصاءات وزارة التخطيط}.
ولفت الى أنه {يقينا لو إن كل ما يطرح في المؤتمرات البحثية، تمَّ طرحه على الناس لأصيبت البشرية بالهلع والرعب، واعتقد انه اراد تهيئة الراي العام لفرض ضرائب جديدة، وهي مشروعة منذ البداية، لأنه يسعى بالحاح لتطبيق نموذج الضرائب البريطاني في العراق، رغم أن الاقتصاديين يعلمون ان هذا الامر غير ممكن التطبيق في العراق 
عمليا}.
 
نظرة تشاؤميَّة
الاستشاري في اقتصاديات الطاقة د. فلاح العامري قال: {اعتقد ان ما قصده وزير المالية ان واقع الاقتصاد العراقي ووضعه المالي ومستقبله غير مستقر، وأعطى نظرة تشاؤمية وتحذيرية للحكومة القادمة، وان بقاء الحال بالاعتماد على الايرادات النفطية فقط وخطف الموازنة السنوية من قبل النفقات التشغيلية، خاصة رواتب الموظفين والديون سوف يقود الى التفكير الجاد باصلاح الوضع الاقتصادي وتحريك سوق العمل، حيث يفترض ايقاف الاعتماد على النفط فقط تدريجيا، لكي نحول النفط من نقمة الى نعمة}.
وأكد العامري أن {وزير المالية كان يقصده حتمية التوجه نحو تعدد الاقتصاد وايقاف الاعتماد على قطاع النفط حصرا، بسبب التذبذب في الاسعار والمستقبل المجهول، وهنا لا بد من احداث تغييرات جذرية في الادارة المالية، وادارة ناجحة للاقتصاد، وتحويل الأعين للقطاع الخاص، واعادة هيكلة القطاع العام، وزيادة كفاءة الاقتصاد والانتاج والخدمات، وكذلك تغيير السياسة المالية والنقدية والفصل بينهما، وتفعيل أنشطة القطاع الخاص وجعله اكثر رصانة لغرض تفعيل دوره في إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي وجعلوا نموه اخضر وصديقا للبيئة}.
 
عصر النفط
خبير الطاقة حمزة الجواهري قال: {قبل اكثر من120 سنة قال خبراء الطاقة ان عصر الفحم قد انتهى، كان وقتها قد بدأ عصر النفط، لكن الى اليوم نجد الفحم الحجري يتربع على المرتبة الثانية بعد النفط في سلم الطاقة، حيث إن النفط ما زال هو الأول بنسبة مساهمة تصل إلى 34 % ويليه الفحم، بنسبة 27 % من الطاقة الاحفورية على مستوى العالم ويليه الغاز الذي يساهم بنسبة 10 % تقريبا حتى الآن}.
واشار الى أن {أنواع الوقود الاخرى تكاد لا تذكر في سلم المساهمة بانتاج الطاقة عالميا، فمجموع ما تنتجه بدائل الطاقة والتي تسمى بالطاقة النظيفة، لا تتجاوز نسبتها مساهمتها حتى الان الـ 5 %، بالرغم من أن العالم قد بدأ بتطوير تكنولوجيا إنتاج الطاقة النظيفة منذ اكثر من نصف قرن وبعضها تجاوز عمره القرن من الزمان وصرف عليها ترليونات الدولارات}.
 
الوقود الاحفوري
وبين الجواهري أن {مستوى تطور التكنولوجيا التي تنتج الوقود الاحفوري يعتبر متطورا جدا، فعلى سيبلي المثال ان المصافي الحديثة التي يتم انشاؤها على وفق الستاندرد يورو 6 تكاد تكون خالية تماما من الانبعاثات الغازية المضرة بالبيئة. وهذه التكنولوجيا تعد رخيصة مقارنة بالتكنولوجيا التي تنتج محطات إنتاج الطاقة النظيفة، وأن عدد الاختراعات في هذا المجال اكثر بما لا يقاس باختراعات تتعلق بالطاقة النظيفة، كما ان عدد الدول التي لا تستطيع شراء تكنولوجيا إنتاج الطاقة اكثر من 200 دولة، حيث ان كل أفريقيا تقريبا والتي تقدر باكثر من نصف آسيا وكل دول أميركا اللاتينية والتي تشكل قرابة 90 % من مساحة اليابسة. جميع هذه الدول لا تستطيع شراء تكنولوجيا إنتاج الطاقة النظيفة وطبعا لا تستطيع إنتاج هذه الطاقة}.
 
الاقتصاد المتنوع
وأكد {صعوبة أن يستطيع العراق خلال ثمانية سنوات الارتقاء إلى مستوى الاقتصاد المتنوع كما في الدول المتقدمة تكنلوجيا، واذا كان العراق بكل إمكانياته لم يستطع أن يخرج من هذه الحالة، فكم سيحتاج لإنتاج تكنولوجيا إنتاج معدات إنتاج الطاقة النظيفة؟ طبعا الجواب وقت طويل جدا}، لافتا الى أن {الحقيقة البعيدة عن الأذهان هي الغرب انفق على تطوير تكنولوجيا إنتاج الطاقة النظيفة ترليونات الدولارات، وليس من السهل يتركها أن تذهب هباء وتبقى اسيرة للعراق والدول التي تنتج الوقود الاحفوري}.
وتابع الجواهري ان {وزير الطاقة الهندي قالها بوضوح للمؤتمر الطاقة الأخير، وان الذي تتحدثون عنه نوع من الترف لا نستطيع امتلاكه، وهكذا جميع الدول الفقيرة لا تستطيع التحول لما يسمى بالطاقة المتجددة لان البون شاسع بين العالمين}، كما ان إنتاج الطاقة والسيارات وجميع وسائط النقل عدا القطارات تحتاج إلى بطاريات ليثيوم، والسؤال مرة أخرى أين سيجدون مناجم تنتج الليثيوم المعدن الأساسي لصناعتها يكفي لإنتاج البطاريات الكهربائية؟ بالطبع لا يجدون بسهولة لأن حاليا لا توجد سوى بضعة مناجم صغيرة لإنتاج هذا المعدن النادر مثله مثل الكاديميوم، وغيرها من المعادن التي صنفها الجدول الدوري على أنها عناصر نادرة الوجود في الطبيعة.
 
أزمات مالية
اما الخبير الاقتصادي رائد العامري فقد أيد ما قاله وزير المالية بشأن احتمالية حدوث عملية تسريح للموظفين، لكن اختلف معه بشأن كيفية حدوث ذلك، قائلا: ان {إمكانية حصول أزمات مالية خلال السنوات المقبلة مسألة قائمة ومرجحة ويمكن ان تحدث ربما خلال السنوات الخمس المقبلة وليست العشرة، في حال بقي الاعتماد على واردات النفط فقط}.
واضاف العامري ان {مسألة تسريح آلاف الموظفين غير مطروحة لا الآن ولا مستقبلا، لكن إن حدثت أزمات فربما تتم إحالة مواليد على التقاعد، أي تخفيض سن التقاعد لسنتين او أكثر مع إيقاف التعيينات وتقليل مخصصات بعض الوزارات}.
 
تجارب دولية
ودعا القائمون والجهات المعنية إلى الاقتداء ونقل تجارب مصر وتركيا وغيرها، اذ بدأت هذه الدول ونجحت في تطوير خدماتها المقدمة للمواطنين وجعلها قطاعات ربحية لا تشكل أي عبء على الدولة، وبأسعار مناسبة مقارنة بدخل الفرد، إضافة الى التجربة السعودية، التي بدأت خلال السنوات الثلاث الأخيرة والتي تهدف الى تقليل الدعم المقدم للقطاعات مع زيادة الضرائب، ما جعلها تحقق فائضاً لسنة 2021 وصل إلى نحو 100 مليار 
دولار}.
العامري حث على {اهمية التحول الى الخدمات والاستثمارات الرابحة، وان تصبح القطاعات الحكومية منتجة، فلا يمكن ان تصبح شركات وزارة الصناعة او التجارة وغيرها خاسرة، وتصرف رواتب بالمليارات من دون انتاج او عوائد، كما يمكن الافادة من عائدات الجمارك والمنافذ والمطارات والنقل وغيرها لرفد خزينة الدولة، وبذلك سيصبح المستقبل زاهراً لا قاتماً}.