التنمية الاقتصاديَّة والإعلام

اقتصادية 2022/02/10
...

 د. حامد رحيم
 
يمكن وصف التنمية الاقتصادية على أنها ثورة تغيير اقتصادية، كونها تتضمن مجموعة من الخطط والسياسات قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى تهدف الى تحويل مسار النشاط الاقتصادي من هيكل التخلف وما يرافقه من مؤشرات الى آفاق أخرى تقوم على مرتكزات جديدة تعبر عن صورة مغايرة لما قبلها .
وفضلا عن ما تم التنظير له من الأدبيات والاختلافات المدرسية خصوصا في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية الى يومنا هذا، فالجانب العملي والتطبيقي قدم لنا تصورا واضحا عن معنى الثورة الاقتصادية والتحولات الجوهرية، ومنها دولة ماليزيا، التي تعد واحدة من التجارب التنموية المهمة إذ كانت مؤشرات الفقر فيها في العام 1970 أكثر من 52% وصادراتها من المطاط والخشب الخام لا تتجاوز بضعة ملايين من الدولارات، وكانت بلدا غارقا بالصراعات والجهل والتمييز الطبقي، أما الآن فإن نسبة الفقر منخفضة جداً تصل الى 5% في عام 2019 ومعدل صادراتها بعد عام 2000 الى الآن فاق 200 مليار دولار، أكثر من 65% معدل منها صادرات صناعية وما لايقل عن 46% معدل من الصادرات الصناعية هي سلع ذات محتوى تكنولوجي عالٍ، وهي الآن متطورة عمرانيا، وقبلة للسياحة العالمية، وتحتل مركزا متقدما جدا في مؤشر التنمية البشرية وجامعاتها في تصنيفات متقدمة جداً وغيرها، وكل ذلك كان نتاجا للتخطيط الرصين والمقرون بالإرادة السياسية والأداء الفاعل على الأرض، ومن ثم تحقق الفارق بين هيكل التخلف والتحول التنموي الذي كان منشودا عندهم، وهذا التطبيق العملي لجوهر فكرة الثورة الاقتصادية.
وفق ذلك نحن في العراق نحتاج الشيء الكثير للتحول التنموي يبدأ من المتغير السياسي نزولا، ونود هنا أن نسلط الضوء على جانب مهم في الحراك الاقتصادي متمثلا بالاستثمارات والمشاريع الكبيرة التي باشرت الحكومة بها او هي قيد التنفيذ (والمفترض) أنها جزء من حراك شامل لتغيير هيكل التخلف الجاثم منذ عقود، إن التحولات تحتاج جهدا ساندا خصوصا في أوضاعنا الحالية المعقدة وإيجاد ذلك يحتاج (خطابا إعلاميا) يوضح للجمهور حقيقة ما يجري، ومن ثم الحصول على الدعم والمساندة والتفاعل الايجابي من الجمهور، وكل ذلك غير موجود بل إن الصوت العالي في تقييم المشاريع مثل ميناء الفاو والاتفاق الصيني والاستثمارات الفرنسية والكورية وغيرها بمتناول قنوات مؤدلجة، فضلا عن بعض المتطفلين من غير الاختصاص يقيم ويتحدث، وكل ذلك صنع ضبابية في الفهم بل وعدم اكتراث لشرائح اجتماعية واسعة، ويظهر ذلك عبر المجسات مثل وسائل التواصل الاجتماعي وما تتضمنه من تعليقات عن تلك المشاريع.
إن الانتقال نحو تطبيق رؤية اقتصادية جديدة ومشاريع جديدة وغيرها (إن كان هناك توجه لذلك) تتطلب جهودا استثنائية، وواحد من تلك هي (الستراتيجية الإعلامية) التي تقوم على إنشاء (منصة) إعلامية فاعلة توضح كل الأمور بشفافية وتوثق الأعمال الجارية والعقود وأهميتها للجمهور البسيط وكذلك النخب المختصة، وتتم صناعة استقلالية لهذه المنصة وتمييز وهذا شرط أساس للثورة الاقتصادية وأكرر (إن كان هناك توجه 
لذلك).