كيف نستثمر الأزمة؟

اقتصادية 2022/03/02
...

 محمد شريف أبو ميسم 
في أول يوم للحرب الروسية - الأوكرانية، شهدت الأسواق العالمية تداعيات كبيرة جدا، كان من بينها ارتفاع أسعار النفط لأكثر من 104 دولارات للبرميل الواحد، في حين تبدو الأسعار مرشحة للزيادة في ظل تصاعد وتيرة الأزمة.
الأمر الذي أعطى انطباعا لدى بعض المراقبين، بشأن اطمئنان القائمين على ادارة الملفات الاقتصادية في البلاد من التداعيات السلبية لهذه الحرب. وفي واقع الأمر فإن أثر هذه التداعيات سيبدو أكثر وضوحا بعد فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اذ ستشهد الأسواق العالمية مزيدا من الارباكات تصل تأثيراتها لعموم الناس، ليس لأن روسيا أكبر منتج للغاز وثاني أكبر منتج للنفط في العالم وحسب، بل لأن الاقتصاد العالمي بات رهينة التشابكات والمصالح المشتركة.
 وما يؤثر في هذه البقعة من العالم ينسحب الى عموم الأسواق العالمية، ولنأخذ سوق القمح العالمية التي شهدت ارتفاعات غير مسبوقة في أول يوم من هذه الحرب، اذ تعد روسيا ثاني أكبر منتج للقمح في العالم، بنحو 72 مليون طن من القمح سنويا، وهذا الانتاج يشكل نحو 15 بالمئة من الانتاج العالمي، وخروجه من دائرة التسويق بفعل العقوبات التي ستفرض عليها، مع خروج انتاج أوكرانيا بفعل الحرب، والبالغ نحو 10 بالمئة من الانتاج العالمي، سيتسببان بخلل مقداره 25 بالمئة من حاجة السوق العالمية، ما سيجعل أسعار القمح في أعلى مستوياتها تاريخيا، ومن ثم فإن ارتفاع أسعار عموم السلع عالميا سيكون أمرا حتميا.
 فما بالك اذا ما استمرت الحرب لفترات أطول أو اتسعت مساحتها لبلدان أخرى، حينها سنكون من أكثر بلدان العالم تضررا، اذ ما زال انتاجنا من القمح لا يغطي حاجة الاستهلاك المحلي، وما زال معدل الانتاج في عموم القطاعات لا يغطي أكثر من 10 بالمئة من الطلب، ومن هنا فإن الحاجة الفعلية الآن للاستثمار الأمثل في الايرادات النفطية بهدف تفعيل القطاعات الانتاجية وسوق العمل، يعد مطلبا وطنيا ملحا غير قابل لسياسات الترقيع في المعالجات ولمبررات الفشل، ولا يقتصر على المعالجات السريعة وحسب، فمثلا في القطاع الزراعي يكون تسديد مستحقات الفلاحين والمزارعين وإعادة الثقة اليهم أمرا مفروغا منه، بيد أن تعويض المتضررين منهم جراء تأخير سداد المستحقات سيكون هو المعالجة الحقيقية، بشرط إعادة زراعة الأرض واستخدام أساليب الري الحديثة.
 في حين يكون دعم المهندسين الزراعيين بالمال والتجهيزات الزراعية، ودعم المدخلات وضمان تسويق المخرجات عبر شراكة من خلال تفعيل صندوق الإقراض الزراعي وزيادة رأسماله من الوفرة المالية النفطية وافتتاح فروع له في عموم المحافظات، من بين ملامح البعد الستراتيجي للنهوض بهذا القطاع.