المشكلة التاريخيَّة للقطاع الخاص

اقتصادية 2022/04/13
...

  عمر سعد سلمان 
 
عملت الدولة العراقية منذ العام 1952 على توسيع القطاع العام وجعله المسيطر على جميع المنشآت والصناعات في القطاعات كافة، بعد سيطرتها على مورد النفط الذي أتاح لها مردوداً مالياً كبيراً، ما أدى الى مزاحمة القطاع الخاص في نشاطه في ظل سيطرة الدولة المركزية على الاقتصاد.
كانت الدولة العراقية قبل العام 1952 لا تعتمد على النفط بفعل الشروط القاسية لاتفاقيات النفط المتتالية منذ العام 1911. وكانت تعتمد على المجتمع، على الرغم من كونها المالك الأول للأرض. 
إنَّ ريعيَّة الاقتصاد العراقي بدأت بالوضوح بعد العام 1970 إذ ازدادت مساهمة القطاع النفطي في الناتج الإجمالي المحلي مقابل تراجع قطاعات (الزراعة/ الصناعة/ الخدمات) إذ أخذ دورها بالتضاؤل، لكن القطاع العام العراقي بدأ بالتراجع بدخول العراق في حرب مع ايران عام 1980. 
موجات التحول نحو القطاع الخاص تولدت في العراق بفعل ظروف الحرب والأزمات التي مرت بالبلد في تلك المدة، فضلاً عن رغبة الدولة بتعزيز مسار القطاع الخاص بما يخدم ظروف العراق، كما تعمقت مشكلة نقص الايدي العاملة والمهارات نتيجة عسكرة المجتمع، وتقليص الإنفاق الاستثماري وتزايد السكان والهجرة من الريف الى المدينة، الى تبرير الاعتماد بشكل كبير على استيراد المواد الغذائية والاستهلاكية. واتبعت الدولة مسارين لتحقيق عملية الخصخصة الأول: تحويل القطاع العام الى القطاع الخاص عن طريق البيع، والثاني توفير مساحة للقطاع الخاص للعمل فيها وان كان القطاع العام عامل فيها. 
بعد العام 1990 فرض الحصار على العراق بعد غزو الكويت ما جعل القطاع العام في وضع سيء، ومن ثم توجه النظام الى تشجيع القطاع الخاص عبر سلسلة من الإجراءات ليقوم بدور تعويضي ومساعداً في توفير الخدمات والسلع الأساسية، فقام بتعديل قانون البنك المركزي العراقي في 1991 للسماح بتأسيس مصارف خاصة، التي وصلت الى 16 مصرفاً عام 2000 والتي استحوذت على 18.6% من القطاع المصرفي، كما تم تأسيس سوق بغداد للأوراق المالية الذي باشر بالعمل أواخر اذار 1992 لغرض استقطاب مدخرات الافراد وتوجيهها نحو الاستثمار بوصفه سوقاً قانونية فيها 104 شركات مساهمة، كما صدر قانون الشركات الخاصة والمختلطة رقم (21) لسنة 1997. 
ما تجد الإشارة إليه هو أن النظام السابق عمل، بشكل او بآخر، على جعل القطاع الخاص مرتبطاً به ليكون أسيراً لتوجهاته، ففي نهاية الثمانينات أعطت السلطة مجالاً لآليّة السوق بما سمح بنمو القطاع الخاص، من دون أن يتمكن من إيجاد طبقة مستقلة عن السلطة التي استمرت بمراقبتها له، حتى وصل الأمر ذروته مطلع التسعينات 
عندما وجدت الدولة أن عليها مواجهة هذه الطبقة وسحقها وإخضاعها نهائياً لسلطته، وتبلورت هذه المواجهة بإعدام التجار، وفي الوقت نفسه حاول النظام السابق خلق طبقة خاصة به، من أفراد يرتبطون بعلاقات قرابة مع رموز السلطة.