رئيسة تنزانيا وإنهاء عزلة بلادها

بانوراما 2022/05/12
...

  عبدي لطيف ظاهر
  ترجمة: خالد قاسم
في منتصف ليلة من ربيع العام الماضي ظهرت سامية صولحو حسن، نائب رئيس تنزانيا آنذاك، على شاشة التلفاز لتعلن نبأ وفاة رئيس البلاد. وكان الرئيس جون ماغوفولي الملقب بالبلدوزر قد نفى وجود فايروس كورونا في بلاده، ورفض لقاحات المرض ومات بعد غيابه بأسابيع عن المشهد العام وسط تقارير غير مؤكدة عن اصابته بالوباء.
 
تسببت وفاته بتسنم سامية منصبا تاريخيا كأول رئيسة لبلادها، وتعرف بلقب ماما حسن، وهي حاليا المرأة الوحيدة التي ترأس حكومة في أفريقيا. خطّت الرئيسة سامية منذ توليها المنصب طريقا مختلفا عن سلفها، إذ شجعت على أخذ اللقاحات عبر تلقيها اللقاح بنفسها، ورفعت الحظر عن الفتيات الحوامل في المدارس وبدأت بتعديل بعض قوانين سلفها الاقتصادية لجذب المستثمرين.
لكن التحدي الأول أمام الرئيسة الواثقة من نفسها، هو تجاوز فكرة عدم قدرة المرأة على حكم تنزانيا بحسب مقابلة لها من القصر الرئاسي بالعاصمة دودوما. وذكرت أن زعيمات أفريقيات أخريات مثل إيلين جونسون سيرليف أول رئيسة ليبيرية، ورئيسة إثيوبيا سهلورق زودي، سرعان ما قدمتا الدعم لها وطلبتا منها البقاء.وضعت الرئيسة نفسها منذ توليها الحكم بموقع الشخصية الموحدة وطنيا والراغبة بتحدي المؤسسة الحاكمة وعزمت على إنهاء عزلة تنزانيا التي دامت خمس سنوات تحت حكم ماغوفولي المعروف بقلة سفره الى الخارج.
يبلغ عدد سكان تنزانيا 60 مليون نسمة وتحدها ثماني دول من شرق ووسط وجنوب القارة الأفريقية، وتعد منذ فترة طويلة حصنا للاستقرار في منطقة مزقتها الحروب الأهلية والنزاعات العرقية. لكن الرئيسة تحكم أمة مستقطبة ذات اقتصاد ضعيف وبطالة متزايدة، وسرعة بطيئة بنشر اللقاح ولغط كبير بشأن التعديلات الدستورية.
التزام الحياد
زارت سامية حسن واشنطن والتقت كبار المسؤولين هناك، اضافة الى بعض المستثمرين وأرادت المساعدة بتحسين الصحة العامة والترويج لقطاع السياحي التنزاني. 
واجهت الرئيسة في واشنطن قضية الحرب الأوكرانية لأن تنزانيا إحدى الدول الأفريقية التي امتنعت عن التصويت داخل الأمم المتحدة لشجب الحرب، لكن سامية قالت إن موقف بلادها ينسجم مع سياستها طويلة الأمد بعدم الانحياز.
ولدت الرئيسة سامية حسن في جزيرة زنجبار قبالة ساحل البر الرئيسي لتنزانيا، وكانت والدتها ربة بيت ووالدها معّلم مدرسة، ودرست بعد الثانوية الاقتصاد والإدارة العامة في جامعات بلادها وبريطانيا. وعملت لاحقا مع برنامج الغذاء العالمي واستلمت مناصب لعدة منظمات غير حكومية في زنجبار.
لكن مع مطلع القرن الحالي قررت أن تجرب حظها في السياسة. فانتمت للحزب الحاكم «حزب الثورة» منذ نهاية الثمانينيات وانتخبت نائبا بالمجلس التشريعي لزنجبار في العام 2000 قبل دخول البرلمان الوطني سنة 2010. وسرعان ما ارتقت المناصب وتولت موقعا بدرجة وزير في مكتب نائب الرئيس ومن ثم أصبحت نائب الرئيس خلال العام 2015. 
تشير سامية الى صعوبة عملها نائبا للرئيس ماغوفولي، إذ تبادلا النقاش الحاد بشأن عدة قضايا مثل إنكاره فايروس كورونا. وترفض فكرة وفاته بسبب الوباء قائلة أنه مات نتيجة مضاعفات في القلب. تضيف الرئيسة أن أولويتها الأساسية كرئيسة للبلاد كانت إحياء الاقتصاد، وبناء آلاف المدارس والمراكز الصحية وإيصال الكهرباء والماء النظيف الى الأرياف وإكمال مشاريع بنية تحتية ضرورية، مثل خط سكك حديد ومحطة كهرومائية كبيرة. وذكرت أن أكثر من 250 مشروعا جديدا سجلتها البلاد العام الماضي. لكن تبقى هناك مخاوف من سرعة التغيير تحت حكمها. اذ تعرض ناشطون للاختطاف وأغلقت صحيفتان بشكل مؤقت من قبل الحكومة واعتقل زعيم المعارضة فريمان مبوي لعدة أشهر بتهم تتعلق بالإرهاب قبل إطلاق سراحه. ومنعت التجمعات السياسية خارج نطاق الانتخابات منذ العام 2016 عندما اتهمت الحكومة المعارضة بإستغلال التظاهرات للتسبب بعصيان مدني، ويتساءل ناشطون اذا كانت الرئيسة ملتزمة بمراجعة الدستور الذي يمنح صلاحيات واسعة للرئيس وجرى إقراره في العام 1977 عندما كانت البلاد ذات حزب واحد.
تشير الرئيسة الى تركيزها على إصلاح الاقتصاد قبل التحول نحو المهمة المكلفة والصعبة بتغيير الدستور. وذكرت أنها أسست فريق عمل من مجلس الأحزاب السياسية لتقديم توصيات عن التغييرات، وتشمل رفع الحظر على التجمعات السياسية. وعبرت عن نغمة تصالحية مع المعارضة السياسية والمجتمع المدني.
رفعت حكومة سامية الحظر على أربع صحف، لكنها لم تغير بعض القوانين المقيدة المستغلة لتقويض حرية الإعلام. ويذكر صحفيون ومحامون أن أمام الرئيسة فرصة لإعادة إيمان التنزانيين بالتحول الديمقراطي في بلادهم. ومع تبقي أكثر من ثلاث سنوات على الانتخابات المقبلة، تنتظر الرئيسة مهمة صعبة وعمل شاق عليها تخطيها.