ناقوس الأمن الغذائي

اقتصادية 2022/06/04
...

 عبدالزهرة محمد الهنداوي
 
بقوة، بدأنا نسمع أجراس ناقوس الأمن الغذائي، تُقرع، في مناطق وزوايا مختلفة في هذا العالم، لا سيما بعد أن قرع بوتين أجراس الحرب على أوكرانيا منذ شهر شباط المنصرم، الأمر الذي أدخل العالم في دوامة وأزمة حادتين، وجدت الكثير من البلدان نفسها في حيرة من تدبير وضعها الغذائي، في المقبل من الأيام. 
فالبلدان التي كانت تُصدر القمح والرز الى العالم، علّقت هذا التصدير، لأنَّها بدأت تخشى على أمنها الغذائي من التعرّض للاهتزاز.
وقبل أيام رسمت مجلة (ذي ايكونومست) الاميركية، في مقال طويل، صورة مرعبة للمشهد الغذائي في العالم، حمل عنوان "كارثة الغذاء العالمي" قالت فيه، إنَّ الحرب، الروسيَّة الأوكرانيَّة، بدأت تدفع العالم الهش نحو الجوع الجماعي، في حين وضعت المجلة على غلافها رسما بدا مخيفا، تظهر فيه ثلاث سنابل من القمح، ولكن عندما يتم تكبير الصورة، تظهر أن حبَّات تلك السنابل عبارة عن جماجم بشريَّة!!  وعلى الرغم من أنَّ المقال حمل جنبة سياسيَّة في بعض فقراته، بحكم الصراع الأميركي الروسي بشأن الحرب، ومحاولة كل طرف توجيه مسارات تلك الحرب نحو مصالحه، إلّا أنَّ المجلة، أشّرت بوضوح على مكامن الخلل وطبيعة المخاطر على واقع الأمن الغذائي العالمي، والتداعيات المحتملة التي ستتعرض لها البشريَّة، لا سيما في البلدان ذات الأمن الغذائي الهش، مثل العراق، وعززت المجلة الأميركية رأيها بأنَّ أزمة غذائيَّة ستنشأ قريبا في العالم، بتأثير المتغيرات المناخية المتمثلة بارتفاع درجات الحرارة، وقلة الأمطار، في تناقص الإنتاج الزراعي، وقد بدأنا نتلمس مثل هذه الآثار عندنا في العراق، ففضلا عن ارتفاع أسعار المواد الغذائيَّة وفي مقدمتها الخبز، على مستوى العالم، بعد توقف سلاسل التوريد من روسيا وأوكرانيا، فقد تأثر العراق بشكل كبير بالتغيير المناخي، وانحباس الأمطار وقلة الموارد المائيَّة في نهري دجلة والفرات وروافدهما، إذ اضطرت وزارة الزراعة إلى تخفيض الخطة الزراعيَّة إلى النصف، لتنخفض معها كميات القمح المنتج محليَّا إلى أكثر من 60 %، وهذا بحد ذاته يمثل ناقوس خطر يصم الآذان، وهنا سنكون أمام خيارين لا يقل أحدهما صعوبة عن الآخر، الأول عدم توفر القمح في الأسواق العالميَّة، إلى المستوى الذي يغطي حاجة سكان هذا الكوكب، ومن ثم حتى وإن توفرت لدينا الأموال، المتأتية عن ارتفاع أسعار النفط، التي قفزت الى مستويات غير مسبوقة، لنحقق بذلك إيرادات ربما لم نحققها منذ اكتشاف النفط في العراق، ولكن ما جدوى كثرة الأموال، وليس ثمة ما تشتريه لتأكله!!، والخيار الثاني، هو التراجع الخطير في إنتاجنا الزراعي، الى مستويات متدنية بالمقارنة مع ما كان عليه الحال في أعوام سابقة، إذ وصلت كميات الحنطة والشعير المنتجة إلى معدلات أعلى من الحاجة المحليَّة، حتى أنَّ البلد قام بتصدير كميات من الشعير الى بلدان أخرى.
إذن، ما الحل، ونحن نسمع أجراس الخطر والتحذير، تُقرع في كل مكان من هذا العالم؟!، هل نستسلم وننتظر حلول السماء؟ هل نشارك العالم قرع الأجراس،"احتفالاً" بهذه الأزمة؟!!!. نحن نمتلك الأموال التي يمكن أن نستثمرها في وضع حلول مستدامة لمواجهة أزمة الغذاء العالمي، ولعل الحكومة اتخذت جملة من الإجراءات المهمة التي يمكن أن تكون جزءًا من الحل لهذه الأزمة، ولكن مازلنا بحاجة إلى الكثير، إذ إنَّ الامر يتطلب استثمارا أمثل للموارد المائيَّة المتاحة، من خلال دعم الفلاحين والمزارعين في استخدام الأساليب الحديثة في الزراعة، التي من شأنها ترشيد استخدامات المياه، مع ضمان التوسّع في المساحات المزروعة، والابتعاد عن زراعة المحاصيل التي تستهلك كميات أكبر من المياه، أو القيام بمعالجتها جينيا لضمان زيادة الغلة الزراعيَّة، وخفض نسب استهلاك الماء، فضلا عن ذلك ينبغي فتح آفاق جديدة من آفاق الدعم للفلاح، من خلال تمكينه من الحصول على المكننة الزراعيَّة، والأسمدة الكيمياويَّة، عبر القروض الميسّرة، أو حتى المنح الماليَّة غير المستردة، شريطة أن تكون هناك متابعة وإجراءات صارمة نضمن معها تنفيذ الخطة الموضوعة في هذا المجال، وسوى ذلك من الآليات والإجراءات الممكنة التي يعرفها أصحاب الشأن..
إنَّه ناقوس الجوع أيّها السادة، أخطر عدو يمكن أن يواجه الإنسان، استمعوا إلى أجراسه تُقرع في كل مكان.