وفرة عائدات النفط.. نموٌ أحادي لا يحقق التنمية المستدامة

اقتصادية 2022/06/06
...

 بغداد: عماد الامارة
يشهد العالم تغيرات واضحة في مجالات عدة، منها الأمن الغذائي واسعار النفط، التي باتت مرتفعة بعد الحرب الروسية - الاوكرانية، ما أثر في الجانب الإيجابي على الدول المصدرة والمنتجة للنفط، وبالتالي حقق للعراق وفرة مالية ملحوظة، عالجت العجز في الموازنة العامة، لكن هذه الوفرة لا يمكن الاعتماد عليها لستراتيجية تنموية شاملة للبلد، لأن المثبت الطبيعي، الذي تعتمده الموازنة العامة هو سعر النفط، وبالتالي هذه الارتفاعات السعرية، لهذا المورد تمثل نموا أحادي الجانب.
وقال المختص بالشأن الاقتصادي الدكتور عماد العاني: “من الضروري جدا تنويع الإيرادات العامة دعما وتعزيزا للموازنة، وتحقيقا لمستويات تنمية مستدامة، لأن التشوه الكبير في هيكل الايرادات العامة، سببه الاعتماد بالدرجة الأولى على الريع النفطي”.
وأشار العاني في حديثه لـ”الصباح” إلى”بقاء بنية الموازنة العامة أحادية الجانب، بدلا من التفكير والعمل في ستراتيجية واضحة، لتنشيط القطاعات الانتاجية الاخرى، التي يمكن أن تمد الحكومة بالايرادات العامة، خاصة من خلال تفعيل الاقتصاد الحقيقي المتمثل بالقطاع الزراعي
 والصناعي”.
 
الايرادات العامة
واضاف” تشكل الايرادات العامة القيد الرئيس على الانفاق العام، من خلال ما توفره من مصادر ماليَّة لهذا الانفاق، والذي ينعكس من خلال مؤشر نسبة الايرادات العامة، كما أنها تمثل أحد مظاهر التدخل الحكومي في النشاط الاقتصادي، لما يعكسه مؤشر نسبة الايرادات العامة في الناتج المحلي الاجمالي في 
ذلك”.
وتابع “في مقابل إصلاح سياسة الإنفاق الحكومي، يتعين على الحكومة اتخاذ سبل أكثر كفاءة، لتحسين الايرادات العامة ودعم الموازنة، وتعزيز مواردها المالية، وإبعادها عن الاعتماد الكلي على أسعار النفط، ومن مداخل الايرادات المهمة للموازنة في كثير من دول العالم، ذات الاقتصادات المتطورة هي الضرائب ويمكن للبلد اتباع هذا المسار المالي”.
 
النظام الضريبي
لفت العاني الى أهمية “جعل الضريبة اداة من ادوات السياسة المالية لما لها من تأثير اقتصادي كبير، ودور في تحقيق تنمية مستدامة متوازنة، فالنظام الضربي الأمثل، الذي نطمح للوصول إليه يجب أن يكون قادرا على تعبئة الايرادات الحكومية اللازمة، لتغطية النفقات الحكومية الضرورية، من دون الإفراط في الاقتراض الحكومي، ومن دون تثبيط النشاط الاقتصادي”.
 
التنمية المستدامة
في سياق متصل قال الخبير الاقتصادي الدكتور احمد الراوي: إن كيفية استغلال الموارد الطبيعية بشكل رشيد، تأتي في مقدمة اهداف التنمية المستدامة، لتحقق حياة افضل للمواطن والقضاء على نسب الفقر ومعالجة البطالة”.
وأوضح الراوي لـ”الصباح” أن “هذه تأتي من خلال توظيف الموارد المالية (الايرادات العامة) ذات المصادر المتنوعة في خدمة الاقتصاد الوطني، وأن من أهم النشاطات التنموية في هذا المجال، اعتماد سياسات وبرامج تهدف إلى تحقيق التنمية الزراعية المستدامة، باستغلال الموارد الطبيعية بشكل عقلاني، لتحقيق الامن الغذائي وبالوقت نفسه المحافظة على حقوق الأجيال 
القادمة”. وتابع، أن “الجانب الآخر يتمثل باعتماد الموازنة العامة الكلي على أسعار النفط، والتي لا يمكن التنبؤ بمدى استمرار ارتفاع أسعارها، اذ شهدت السنوات القليلة الماضية انخفاضات كبيرة على المستوى الدولي في أسعار النفط”، مبينا “وما الزيادة التي تعيشها أسعار النفط حاليا، الا نتيجة وانعكاس للحرب الروسية – 
الأوكرانية”.
وأكد أنه “في ظل هذه التقلبات السعرية وتأرجحها لا بدَّ من العمل على تنشيط القطاعات الاقتصادية الانتاجية، لتصبح قادرة على تنويع مداخل الايرادات العامة، وتحقق الاستقرار في الموازنة العامة، وصولا لتحقيق تنمية مستدامة، وعدم جعل دالة الريع النفطي الأساس أو الركيزة في الموازنة العامة”.
 
الوفرة الماليَّة
وعن الوفرة المالية الحالية قالت عميد كلية ادارة الأعمال في جامعة النهرين د. نغم حسين: “كثر الحديث في الآونة الأخيرة بان الاقتصاد العراقي شهد نموا في سنة 2002، نتيجة الوفرة المالية المتحققة من ارتفاعات سعر النفط، وهذا الشيء صحيح، ولكن هذا النمو لا يشمل جميع مفاصل الاقتصاد، بل هو نمو أحادي للمثبط الطبيعي في الموازنة العامة وهو سعر النفط”. 
وأضافت حسين “اما بقية قطاعات الاقتصاد الوطني وخاصة قطاعات الاقتصاد الحقيقي من الزراعة والصناعة، شهدت على العكس تراجعا ملحوظا في مستويات النمو ولأسباب متعددة ومعروفة”. وبينت ضرورة “ اعتماد استراتيجية وطنية لتحقيق مداخل مالية للموازنة العامة تكون مستقرة وبعيدة عن أسعار النفط وتقلباته غير المتوقعة”.