غابات ولنغتون الحضاريَّة تعيد حياة طيورها

بانوراما 2022/06/15
...

 إيفا كورليت
 ترجمة: بهاء سلمان
 
خلال قمة انتشار متحوّر دلتا لجائحة كورونا العام الماضي، استيقظت ولنغتون على بعض من الأنباء المفرحة، فقد بنى زوج من طائر تيتيبونامو،(titipounamu) طائر نيوزيلندا الأصغر حجما، والذي كان غائبا عن المدينة لأكثر من مئة عام، عشا صغيرا داخل مستنقع يقع في ما يسمى بغابة المناطق الحضارية، لا يبعد سوى عدة كيلومترات عن مبنى البرلمان.
مثلت هذه الحالة نقطة ضخمة من الزهو لسكان مدينة ولنغتون، يعود الفضل فيها إلى إنشاء ملاذ بيئي آمن وحضاري، حمل اسم زيلاندا. وبافتتاحه سنة 1999، يمكن الإدعاء بأن الملاذ الآمن قد عزز الأعداد الحضارية للطيور، وشجّع حسا من وحدة واسعة تخص الحفاظ على البيئة. 
يقول "آدم إيليس"، المولع بالطيور ويسكن ولنغتون: "في تسعينيات القرن الماضي، كان من النادر جدا رؤية بعض أنواع الطيور الرائعة، لتأتي محمية زيلاندا وتنشئ لنا مثل هذا التغيير في حياة الطيور لتصير رؤية طيور نادرة أمرا معتادا".
وبالنسبة لـ"مايك تايلور"، وهو شخص مولع بالطيور أيضا، فإن رؤية طائر الباز المحلي جالسا على أشجار الصنوبر المطلّة على الوادي "ترمز إلى الزيادة الهائلة في نشاط حركة الطيور خلال العقدين الماضيين.
 ويضيف: "لم تعد حركة الطيور وأصواتها الصاخبة منذ ساعات الصباح المبكرة تمثل نجاحا للبعض، لأنها صارت أمرا معتادا".
 
الارتباط بالطبيعة
ووجد بحث جديد نشرته مجلة "علم بيئة الحيوانات"، إن استعادة الغابات الأصلية داخل المدن يعمل بالفعل على إعادة الطيور الفطرية، حتى تلك التي كانت غائبة لأجيال، وكلّما كانت الغابة أقدم عمرا، كان بمقدورها إسناد المزيد من الأنواع. وقامت قائدة البحث "اليزابيث إليومت"، بدراسة 25 غابة مناطق حضارية مستعادة عبر منطقة هاملتون ونيو بليموث، تمثل 72 سنة من تطوّر الغابات.
توصلت إليزابيث إلى أن الغابات الأصغر عمرا ساندت طيورا صغيرة تمتاز بالنهم وتقتات على أكل الحشرات، بينما الغابات الأكبر عمرا تجتذب أنواعا تعتاش على الرحيق الحلو والفواكه. وعلاوة على استعادة التوازن إلى النظام البيئي الحضاري، تخلق عودة حياة الطيور رابطة عاطفية بين البشر والأنواع الأخرى، كما تشير الباحثة: "نحن نمر بحالة من الانفصال عن بيئاتنا الطبيعية والأنواع الفطرية، التي تكوّن تلك البيئات، وهنالك الكثير من البحوث التي توضح أن التواصل اليومي مع الطبيعة يعد أمرا، جيّدا لصحتنا الذهنية وسعادتنا وصحتنا البدنية".
تعد ولنغتون المدينة التي يحتذى بها لتلك العلاقة المتنامية بين البشر والطيور والحفاظ على البيئة. 
ومن ضمن حملة كبرى للمدينة للتخلّص من المفترسات، يعمل السكان على نصب فخاخ في الفناء الخلفي لمنازلهم، وزراعة أشجار فطرية. كما تنشط مجاميع محلية تعنى بالحفاظ على البيئة، بينما تفتخر محمية زيلاندا بوجود 500 متطوّع، علاوة على قائمة انتظار طويلة تود الانضمام إليهم. 
وبالتجوّل عبر محمية زيلاندا، ليس من الصعب أبدا فهم الأسباب، فأغلب الزوار يقارنوها بالحديقة الجوراسية (سلسلة أفلام أميركية، تدور أحداثها حول حديقة للحيوانات المنقرضة– المترجم)، بحسب "جيني ليثام"، رئيس حراس المحمية. 
تحيط بحيرة بالمحمية البالغ مساحتها 225 هكتارا، المكوّنة من أدغال معاد إنشاؤها، وتبعد عشر دقائق فقط من مركز المدينة، وتلتف حولها جداول وأرض رطبة، وهي موطن لنغمات متنافرة يطلقها أربعون نوعا مختلفا من الطيور.
 
نتائج مبهرة
ويحيط بالمجمّع سور يبلغ طوله تسع كيلومترات تقريبا، الغرض منه إبعاد المفترسات. 
ولا يحتضن الملاذ البيئي فقط حياة الطيور، فهناك أنواع غريبة ومختلفة من الزواحف والسحالي والضفادع وبلح البحر وصراصير عملاقة. وتخطط زيلاندا في نهاية المطاف إلى استعادة أزمنة ما قبل المرحلة الاستعمارية.
يقول ليثام مستذكرا: "وصف "جيم لينش"، الذي أسس زيلاندا، ولنغتون بكونها سلة التنوّع الإحيائي؛ ولم تكن هناك طيور أصلية، باستثناء تسعة أزواج من طائر صغير، اسمه توي، تتكاثر عبر المدينة." وبمجرّد إنشاء الملاذ، عاد طائر التوي مرة أخرى ليتجمّع هناك، وظهرت أنواع أخرى من طيور فطرية نادرة.
ووجد تقرير صادر عن مجلس مدينة ولنغتون سنة 2021 أن محمية زيلاندا كان لها أثر هائل على تجمّعات طيور الغابة عبر مدينة ولنغتون بأسرها؛ حيث ارتفع عدد الطيور الفطرية عبر العاصمة النيوزيلندية منذ سنة 2011 بنسبة خمسين بالمئة. 
وبالنسبة لبعض الأنواع، فالزيادة كانت أعلى بكثير، ووصلت ببعض الطيور إلى خمسة أضعاف، وبعضها بنسبة أدنى من ذلك. 
وبسبب هذا الأمر، صارت تجمّعات الطيور في المتنزهات والمحميات عبر المدينة أكثر تنوّعا، مع تزايد الأنواع الأصلية، كما يشير التقرير.
يقول ليثام: "عندما ترى طيورا في الفناء الخلفي لمنزلك لا يملكها أحد آخر، يجعلك الأمر تندفع لفعل شيء ما لهم. وتكمن أحد أهم واجباتنا الرئيسية في ربط الناس بالطبيعة، فليس من الضروري القدوم إلى المحمية لأجل القيام بجولة في الغابة، ولكن الأمر يتعلّق أيضا الاعتناء بالطبيعة داخل فناء المنازل، ونشر هذه الثقافة خارج حدود الملاذ الآمن".   
أفرز هذا العمل نتائج متعددة الأوجه، وفقا لإيليس، حيث يقول: "لم تعد رؤية عشرين طائرا من طيور التوي يطيرون سوية فوق الوادي أمرا غريبا بعد الآن، ولا غيرها من المناظر الرائعة لطيور ولنغتون وأصوات نغماتها".
 
صحيفة الغارديان البريطانية