شاعر الأرواح المعذبة

ثقافة شعبية 2022/06/30
...

  سعد صاحب 
 
النواب من أكثر الشعراء الذين وصفوا الروح، بطريقة محزنة جداً، وربما هو الشاعر الوحيد، الذي صاغ من تجربة الأسماك وحياتها في الأهوار صوراً فريدة، وما زالت النقاشات مستمرة منذ فترة السبعينيات حتى الآن، حول المعنى النهائي لهذه الأشطر المبهمة، ولم يصل أحد إلى جواب يحسم الموضوع، وتبقى كل الإجابات البليغة من أصحاب الاختصاص، محاولات في فك طلاسم هذا الكلام الغامض الغريب. (روحي ولا تكلها شبيج / وانته الماي / مكطوعه مثل خيط السمج روحي / حلاوة ليل محروكه حرك روحي / حمرية كصب مهزومه بالفاله ولك روحي / وعتبها هواي). 
القصيدة تضج بالألم الفكري الحاد، فهو حين يعاتب الآخر المرتبط به روحيا، يتعدى مرحلة العتاب العادي، إلى ثورة لاهبة تسكن في الجوارح. (ولا مريت / ولا نشديت / ولا حنيت / وكالولي عليك هواي / يا ثلج الي ما وجيت). 
النواب حتى في أحلامه مشدود وليس مسترخيا، لا يطلب من المحبوب سوى حلم عابر، فالذكريات تأخذ أشكالاً متعددة عند الحالم. (تعال بحلم / واحسبها الك جيه / واكولن جيت).  النواب يمتلك خيال رسام تشكيلي ثاقباً في تصوير المشاهد، ويكثر من وصف العيون بأسلوب مغاير، ويبدو أن المرأة التي يحبها ذات عيون جميلة، ( يلعيناك فحل الكطه الكاطع جول يلعيناك).
لا يعرف معنى العود الطري وتقلبات الطبيعة الظالمة، ولا يشعر بمعاناة الفلاح الساهر على نبتة صغيرة. 
(عودان العمر كلهن كضن وياك / يا في النبع واطعم / عطش صبير ولا فركاك).
في حياة كل شخص هناك حب واحد يعتز به إلى النهاية، والنواب وجد المفتاح المصنوع من الفضة ( يا رهميت / يا مفتاح فضه ولا رهم غيرك علي مفتاح ). وينتقل بعدها إلى مفردة بغدادية.(اجوت لك مخدتي وانطر الشباج / يجيبك وانته عرس الليل والقداح / يا هلبة تجي وترتاح). 
يتحد العاشق والمعشوق ويصبحان واحدا ذائبا في الثاني، وفي ذروة الهيجان الحسي، حيث الروائح العطرة والمسك والنوم اللذيذ. ( واكعدلك على فراش العرس / طرك المسج والنوم / عمر واتعدى التلاثين لا يفلان / عمر واتعدى واتعديت / ولا نوبه عذر وديت / وانه والمسج والليل وانته النوم / واغمض عود اجيسك يا ترف / تاخذني زخة لوم ). هذا المقطع يردده أغلب العراقيين الحزانى، حتى أصبح لازمة لا يستغنى عنها في الجلسات الخاصة.(واكلك ليش وازيت العمر يفلان / يفلان العمر يفلان / يفلان العمر يشكر ولك يفلان). 
لا يترك النواب أهدافه السامية المعروفة للجميع، فالشجرة تصبح بستاناً فيما بعد، هذا شعار المتفائلين في الحياة. (وهجرك دوم / كل ليله اشوفك بالحلم عريس / اكول اليوم / يحبيب خلص صبري واكول اليوم / ولا التفتيت / ولا عديت / ولا استخطيت / ولا طارش جذب وديت / ولا مره شلت عينك تعرف البيت). يعيش متنقلا بين اليأس السلبي، وبين الامساك بتلابيب الحلم المنشود، (ورحت براي واجيت براي / حسبالي سنه وسنتين وتلاثه / واشوفك ذاك البكلبي / واضوكك ماي ).