هجرة العقول استنزاف للاقتصاد

اقتصادية 2022/07/02
...

 ياسر المتولي 
 
يبدو أن هجرة العقول أصبحت ظاهرة، تتسع باضطراد، مع تنامي أهدافها المحددة بـ (شراء أو بيع أو سرقة) العقول، فالنتيجة واحدة، خسارة بلد بعينه، وبالمناسبة فأنا هنا لم أقصد هجرة العقول العراقيَّة فقط إنّما الظاهرة العالميَّة .
ولعلّ ما دفعني لتناول هذه الظاهرة هو أنَّ الأوطان تبنى بعقول أبنائها، فلا بناء ولا تنمية من دون العلماء والمهارات والكفاءات العلميَّة، والغريب في الأمر أنَّ هجرة العقول أصبحت ظاهرة لم تقتصر على بلد من دون سواه كما أسلفت، ولمعرفة حيثيات هذه الظاهرة لا بد من تتبع أسبابها ليتسنى وضع الحلول السليمة .
من المعروف، والبديهيَّة الأكيدة، أنَّ البيئة الآمنة إحدى أهم أسباب عوامل الجذب، وبعكسها تكون الهجرة شاخصة، ولكن مع مرور الزمن والتطورات الكبيرة التي شهدها العالم في التكنولوجيا والبرمجيات والتقنيات العالية، نتيجة آثار العولمة، اشتدَّ الصراع بين الدول العظمى من أجل الهيمنة والسيطرة على مقدرات الشعوب (اقتصاديات البلدان) وليس من أجل البقاء فقط كما في سابق العهود المظلمة.
ولقد برزت الحاجة الى سلاح جديد يكون هو العامل الفصل في انتزاع الفوز النهائي والنصر الأكيد، فبعد أن استنفدت الدول كل الأسلحة في تركيع غرمائها بواسطة الآلة العسكريَّة، وبلوغها التعادل في التسليح.. فليس هناك رابح والنتيجة تعادل، خسائر، وهدنة .
ثم جرّبوا سلاح الغذاء في تجويع الشعوب فلم يصلوا الى نتيجة، ذلك لأنَّ إرادة الشعوب أقوى بايجاد البدائل والعيش بالكفاف، وكذلك جرّبوا وما زالوا، استخدام حرب المياه فلم يتمكّنوا من الشعوب، لأنَّ عقول أبنائها استطاعت المطاولة وتقليل آثار هذا النوع من الأسلحة، طبعاً وأن الحصار أحد أهم وأبرز الأسلحة التي استخدموها في الحروب، وما زالوا ولكن على ما يبدو أن المقاومة ما زالت قويَّة بثبات الشعوب والمطاولة وتقليل آثار الحصار وجرعه عن مضض أمام وقفة الشعوب بوجهه .
الآن جاء دور السلاح الجديد والمتمثل بهجرة او شراء او بيع او سرقة العقول، وهذا سلاح فتاك يطيح بمقدرات الاقتصاد لأنَّه من دون العقول لا بناء ولا تنمية ولا إصلاح .
آخر أنباء هجرة العقول أن مجموعة من علماء التكنولوجيا والتقنيات والعلوم الروس قد تمّ شراؤهم من قبل اميركا، ليس لإضعاف قدرات الروس فحسب، بل للإفادة من هذه الكفاءات لتعظيم قدرات أميركا وتقوية موقفها من صراع الكبار .
كيفية استطاعة أميركا لجذب العقول الروسيَّة أو سرقتها سيان، وذلك من خلال إغرائهم بالامتيازات الفخمة والمشجّعة، في مقدمتها فتح باب الهجرة ومنحهم الإقامة الدائمة وتأمين المساكن الفارهة  والبيئة الآمنة والمرتبات المغرية وتوفير الخدمات الراقية الحمايات .
هذه المعلومات على ذمة التقارير والوكالات التي تشير الى هجرة مئات العلماء الروس الى اميركا وغيرها من الدول، وخصوصا علماء تكنولوجيا المعلومات والتقنيات الحديثة والطاقة ومختلف العلوم الأخرى .
هكذا إذن يصح تحليلنا للأمور بأنَّ هجرة العقول أصبحت ظاهرة تتسع، عدا عن الأعمال الأخرى التي لا مجال لشرحها هنا؛ لذلك وصفنا هجرة العقول بسلاح فتاك حديث .
الخلاصة.. وماذا بشأن هجرة العقول العراقيَّة؟
ولو أنَّ المقارنة تصعب هنا من حيث الأسباب، ولو أن اغلبها يصح وصفه، الآن نأتي على الحلول اذا أردنا الاحتفاظ بكفاءاتنا وعقولنا من الهجرة وعودة المهاجرين منهم، علينا توفير البيئة والامتيازات التي ذكرناها واستثناء الكفاءات والعلماء من سن التقاعد المحدد عند 60 سنة لكي نستطيع إعادة بناء العراق وتنميته وإصلاح اقتصاده .