الخصب والجفاف وما بينهما

اقتصادية 2022/07/04
...

 وليد خالد الزيدي
 
يعد الاقتصاد قطاعا متغيرا في مراحله، صعودا ونزولا وفي كل البلدان ومختلف الأزمان، عطفا على عوامل طبيعيَّة، وأخرى تتعلق بمستويات التعامل معه من قبل القائمين عليه هنا أو هناك.
وحينما يتعلق الأمر بالعراق فإنَّ خصوصيات بلدنا اقترنت بشكل كبير بالجانب الاقتصادي أكثر من غيره حتى أنَّ الصفة التاريخيّة والمقومات الحضاريّة استندت الى حدٍّ بعيد على العوامل الاقتصادية والركائز الطبيعيّة التي وهبها الله تعالى لبلدنا، وكانت من أساسيات قيام الحضارة الأولى في تاريخ البشريّة كالرافدين العظيمين دجلة والفرات، وروافدهما، فتلك ثوابت، أما ما تغير فيها فليس شأنا طبيعيّا، إنّما هي عوامل بشريّة احدثها الإنسان على مر الزمان لأسباب سياسيّة عصريّة ومشكلات في العلاقات بين البلدان، وعدم التسليم بالمواثيق الدوليّة التي استندت الى الحقائق الجغرافيّة والتاريخيّة والخصوصيَّات الطوبوغرافية التي تختص بها بقاع الأرض قاطبة.  
وما يخص مصادر المياه في منطقتنا لا سيما شأن نهري دجلة والفرات، فضلا عن حوض نهر ديالى بين البلدان المشتركة فيها (العراق، تركيا، سوريا، وايران)، فقد كانت قبل نصف قرن، تقريبا، مسائل تخضع لعوامل طبيعيّة، وتعد من الثوابت المعروفة التي تنظم انسيابيّة جريان تلك المصادر بشكل طبيعي وتحكمه العوامل السائدة منذ ملايين السنين.
أما الآن فقد تغيّر الحال عمّا سبق، فأصبحنا نتحدث عن المعاهدات والمواثيق، وتطور الحديث في هذا المجال الى العلاقات بين الدول المشتركة كالمنبع والمجرى والمصب لتلك المصادر، بل أخذ الأمر منحى آخر هو الحديث عن قوة هذه الدولة وضعف تلك، من دون النظر الى حجم الضرر في أيٍّ من البلدان المشتركة، ولنا مثال كبير وهو ما يجري في بلدنا من مآسٍ وكوارث ومشكلات في قطاع المياه، وحسب ما أكدته وزارة الموارد المائيّة عن أزمة مائية حادة مقبلة هي الأقسى في تاريخه لأسباب منها طبيعيّة، كعامل الاحتباس الحراري، وشح الامطار خلال الموسم الشتوي وهطولها بمعدلات متدنية بلغت 30% من مستوياتها الطبيعيّة، وهناك أمر آخر وهو رفض كل من تركيا وإيران تقاسم الضرر مع العراق، باعتبارهما دول منبع وتشكل أراضيهما المصادر الرئيسة لما يدخل العراق من مياه عن طريق الأنهر الثلاثة والروافد الأخرى.  
النتائج الكارثيّة المترتبة على هذا الواقع وتلك المؤشرات وتسببت بقلة الخزين المائي المتاح في بلدنا، تحتم على مسؤولي هذا القطاع الحيوي تفعيل خطين من العمل لتقليل أضرار الواقع المائي في العراق والذي ينذر بكارثة إنسانية يصعب حلها مستقبلا، أولهما تعزيز طبيعة العلاقات بين بلدنا وتلك الدول، ومشاركة العراق في مناقشات هادفة معها حول تقاسم المياه بشكل عادل، والثاني استثمار ما يخصص للوزارة المعنية من اموال لإنشاء المزيد من السدود والمشاريع المائية الخاصة بخزن المياه والافادة منها في أوقات أخرى.