اهتمت به الحضارات القديمة..الانقلاب الصيفي وأثره في شعوب العالم

بانوراما 2022/07/04
...

 اريستوس جيورجيو
 ترجمة: بهاء سلمان
وقد تمت ملاحظة هذا الحدث عبر آلاف السنين من قبل الشعوب القديمة، التي نظرت إليه كحدث مهم، ففي حضارات شمال ووسط أوروبا خلال العصر الحجري الحديث، على سبيل المثال، حاز الانقلاب الصيفي على أهمية بارزة وذلك لعلاقته بممارسات زراعية قديمة. 
وغالبا ما كانت الشعوب القلطية (مجموعة من الشعوب الهندية الأوروبية عاشت في أوروبا والأناضول- المترجم) والسلوفاكية والجرمانية تشعل المشاعل كعلامة، لاعتقادهم بأن هذا السلوك سيزيد من قوة الشمس لبقية موسم الحصاد وضمان غلة جيّدة.
"في شمالي أوروبا، كان يحتفى بمنتصف الصيف منذ أزمان ما قبل الديانة المسيحية لغاية منتصف القرن التاسع عشر، مع مهرجانات يتم إشعال المشاعل خلالها، لتندمج لاحقا ضمن عيد القديس يوحنا المعمدان"، بحسب "سوزان غريني"، المتخصصة بالتراث الإنكليزي.
كان أحد الطقوس الذي يحصل في ألمانيا القرون الوسطى عبر نهر موزيل مثيراً للفضول بشكل مميّز، بحسب المتخصص بعلم تطوّر الإنسان والفلك "انتوني أفيني"، ويضيف قائلا: "كانوا يجلبون عجلة عربة كبيرة قديمة ومهملة، ويزخرفونها ويضعون فيها الكثير من القش، ومن ثم يحرقونها؛ وبعد ذلك، يقوم رجال القرية بدحرجة عجلة النار ليرموها في النهر".
 
بناء قديم
وبنى أوروبيو العصر الحجري الحديث أيضا عدة دوائر حجرية التي بدت وكأنها قد شيّدت لتتماشى مع حركة الشمس خلال الانقلابين الصيفي والشتوي؛ وأحد الامثلة المشهورة على هذا هي معلم ستونهنج التاريخي، الموجود جنوب غربي انكلترا.  شيّد هذا النصب الحجري الشهير قبل نحو 4500 سنة مضت، خلال الفترة المتأخرة من العصر الحجري الحديث، من قبل المزارعين والرعاة، الذين اعتبروا بوضوح حالة الانقلاب الزمني، كونها مناسبة مهمة. 
وتشير الطريقة التي رصفت بها الأحجار إلى تأطير شروق الشمس خلال الإنقلاب الصيفي وغروب الشمس في الانقلاب الشتوي.  تقول غريني، الخبيرة بمعلم ستونهينج: "تم تصميم الأحجار بعناية لتتماشى مع حركة الشمس، فبانتصابها وسط النصب خلال الإنقلاب الصيفي، تشرق الشمس إلى يسار حجر كبير منتصب خارج دائرة الحجارة، معروف بإسم "حجر هيل"، ويرى من خلال فتحة في الدائرة المحيطة بكامل الحديقة المسماة "سارسن". 
وبسبب نقص الدلائل على ذلك الزمن، ليست لدينا معرفة، ولربما لن نعرف أبدا، ماهية المراسيم، التي من المحتمل كانت تحصل في ستونهينج قبل آلاف السنين.  لكن لو علمنا أن بناة النصب قد شيّدوه حول حركة الشمس، فمن المرجح أن الناس تجمّعوا هنا خلال حصول الإنقلابات الموسمية لتأدية طقوس ومراسيم متعلّقة بتغيير المواسم، بحسب غريني.
"ربما كان اليوم الأطول في السنة يمثل مناسبة للاحتفال، مع ليالٍ دافئة وضوء نهار طويل يجعله وقتا مثاليا للتجمّع سوية.  حتما كانت تلك الأوقات ذات خصوصية حينما كان الناس يتجمّعون سوية من تجمعات سكنية بعيدة لإقامة الأعياد والمراسيم والطقوس.  
نحن لا نعلم ما تضمنته تلك المناسبات، من الغناء والرقص والمواكب والخطابات الكلامية والأحداث الرياضية، لكنها كانت رائعة ومثيرة للحماس، مثلما هو حال احتفالات الانقلاب الصيفي في ستونهينج اليوم." تقول غريني.
 
مؤشرات صينيَّة
وبعيدا عن وضع علامات للمواسم، وبالتالي إملاء متى تتم زراعة محاصيل زراعية محددة، ربما كانت الانقلابات الزمنية تمثل وقتا لتذكّر الموتى، أو عبادة آلهة الشمس. في الصين، مهرجان الانقلاب الصيفي هو أحد أقسام السنة الـ 24 المقسمة لاسبوعين لكل قسم، وكل واحد من هذه الأقسام يكتسب تسميته، وفقا لموقع الشمس، أو الظواهر الموسمية، أو متعلّق بنشاط زراعي معيّن. 
يقول "ديفد بانكينير"، استاذ الصين القديمة وعلم الفلك الثقافي لدى جامعة ليهاي بولاية بنسلفانيا "خلال الفترة الإمبراطورية المتأخرة، كان الإنقلاب الصيفي يمثل عطلة قصيرة، لكن هذا الأمر انتهى حاليا. 
تكمن أهمية الانقلاب الصيفي بسبب الحقيقية التي تؤشر لوقت حينما تصل قوة "يانغ" الحازمة المكمّلة لقرينه "ين يانغ" إلى ذروتها.  ضمن علم الكونيات الصيني، التوازن الدائم التغيّر بين الاثنين يعمل على حكم وتحريك 
الكون".
ويعتبر الانقلاب الصيفي أقل أهمية من نظيره الشتوي، في هذه الحالة، لأنه يؤشر إلى بداية انحدار قوة يانغ مع شروع نفوذ ين، المتراجع والقاتم والهادئ، بالتنامي، وفقا لبانكنير، الذي يضيف قائلا: "بالمقابل، لأن الانقلاب الشتوي يضع علامة للعودة التدريجية ل"يانغ" نحو الهيمنة، ومعه الدفء وضوء الشمس وتجدد الطبيعة، ترتبط في أذهان العامة حالة التفاؤل المتجدد الخاص بالسنة الجديدة القادمة".
ويختم بانكنير كلامه بالقول: "بيد أن الإنقلاب الصيفي يعد أيضا مؤشرا إلى انتهاء حصاد الحنطة الشتوية، وهو حدث يستحق الاحتفال بحد ذاته. وكان تناول معكرونة النودلز المصنوعة من الحنطة الجديدة شمالي الصين لتوسيم المناسبة أمرا معتادا في مناطق عديدة".
مجلة نيوزويك الأميركية