احتكار خدمات الدفع الألكتروني

اقتصادية 2022/07/06
...

 محمد شريف أبو ميسم 
 
في واحدة من بين أهم الخطوات باتجاه مجتمع يقل فيه الاعتماد على النقد في التعاملات الماليّة، وتنتشر فيه أدوات الدفع الالكتروني، قرر البنك المركزي العراقي مؤخرا إلزام المصارف العاملة، بأسلوب التحصيل الالكتروني في عمليات استرداد الأموال الممنوحة لأغراض المشاريع الخدميّة والتجاريّة بمبادرة 2 ترليون دينار، وبما يلزم المقترضين بسداد الأقساط المستحقة للمصارف بطريقة الكترونية عبر أدوات (أجهزة نقاط البيع وبوابات الدفع ومحافظ الهاتف النقال) ليكون هذا الشرط أساسيا في منح القروض وينفذ بأثر رجعي.
ويبدو أنّ هذا الإجراء جاء بدواعي تعزيز مستويات الشمول المالي في سياق ستراتيجية المركزي المعتمدة في نشر أدوات الدفع الألكتروني وفي ظل إنشاء بنية معلوماتية غطت حتى المناطق النائية في العراق، فيما اتسعت البنية التحتية الخاصة بتقانات القطاع المصرفي، ما جعلت من العراق بيئة مناسبة لنمو الشركات العاملة في هذا الإطار وتحديدا منها الشركات العالمية التي تهيمن على السوق العراقية بشكل مطلق اعتمادا على قدراتها التقانيّة والماليّة. 
وفي واقع الأمر لا يبدو أن هناك منافسا محليا للشركات العالميّة، وهذا يبدو طبيعيا ازاء إمكانيات الشركات العالمية المالية وخبراتها في احتكار اقتصاد المعرفة ازاء عقود من العزلة التي شهدها القطاع المصرفي العراقي وقطاع التعليم العالي والبحث العلمي قبل العام 2003، فيبدو احتكار باقة الخدمات المتنوعة التي تقدمها من قبيل اصدار البطاقات وإدارة أجهزة الصراف الآلي ونقاط البيع أمرا طبيعيا، بجانب خططها الخاصة بتوسعة مجموعة من الخدمات والمنتجات المصرفية المتطورة من خلال إضافة برامج وتطبيقات جديدة في مجال الدفع الإلكتروني، إلّا أنَّه من غير الطبيعي أن لا ترتقي محاولات تطوير وتدريب الملاكات العراقيّة المختصة بالمهام السيبرانية وتكنولوجيا المعلومات الى مستوى الخدمات التي تقدمها هذه التقانات فتبدو طاقات هذه الملاكات مشتتة، وفي أفضل حالاتها تكون معنية بمخرجات العمليات وحسب، بسبب عدم وجود جهة راعية لهذا الملف السيبراني المهم، ما يجعل أمن المعلومات حكرا على هذه الشركات التي تدعي تطبيق المعايير الأمنيّة وفق قياسات لمنظمات دوليّة تقودها هذه الشركات
نفسها.
وبجوار ذلك لا يوجد للمصارف المحليّة أية مساهمة في الشركات التي تحتكر هذا القطاع، في حين تتألف الشركة التي تحتكر هذا القطاع في العراق منذ العام 2009 من مجموعة مصارف أردنيَّة وخليجيَّة وتركيَّة، والأغرب من ذلك أن لا يكون لهذه الشركة أي وجود في سوق الأوراق الماليَّة العراقيَّة مع أنّها تحتكر سوق الدفع الألكتروني في العراق.