كاظم غيلان
منذ إصداره الأول (سلاماً أيتها الأهوار)عام 1993 وجبار عبد الله الجويبراوي يستمر في بحثه المخلص بكل ما يحيط بيئة الأهوار المسكونة بعجائبياتها وأسرارها الموغلة بقدمها التاريخي، هذه البيئة التي أذهلت الرحالة والمستشرقين، وتلاقف عوالمها الأدباء في رواياتهم وقصصهم وقصائدهم تظل بحاجة دائمة للبحث والاستكشاف. إلا أن ما يميز الجويبراوي عن سائر الباحثين هو الزمن الذي أمضاه متنقلا بين قصباتها كمعلم، فهو شاعر أولا، وكاتب أوبريتات حصدت جوائز قيمة، أيام زهو فن الاوبريت الذي احتضنته ورعته دوائر النشاط المدرسي، لا سيما في محافظات الجنوب عند حقبة السبعينيات، فكانت الأهوار عالمه الخاص في بحوث مبكرة تفوق بها على العديد من الباحثين ولربما هذه ميزة من يولع ببيئة ويكتب من داخلها، كاشفاً عن خفاياها وأعماقها السومرية العريقة.
عزز الجويبراوي مؤخراً تجربته المخلصة مع هذا العالم في إصداره الجديد (معجم الأهوار) بجزأين عن دار الشؤون الثقافية والذي شمل مفردات لهجة الأهوار، فضلا عن كشف تاريخي واجتماعي معززاً بأبيات من الشعر العامي قيلت عبر العديد من الوقائع التي ظلت مدار استذكارات متداولة ليومنا هذا.
الجويبراوي لم يكن مؤلفاً فحسب بل شاهداً على تاريخ هذه البيئة بحكم ارتباطه النبيل بها ولذا تعامل معها بكل أمانة وشجاعة، وذلك ما أكده في كتابه الأول (سلاماً أيتها الأهوار) إذ مرر بإشارات ذكية تغلب بها على رقابة تلك الحقبة الجحيمية الجذور التاريخية لعمليات تجفيف (البطائح).
المعجم هذا بجزأيه يسهم إلى حد ما بانتشال اللهجة العامية من ضياعها المعرفي، فقد ظلت لسنوات طويلة أسيرة التداول الشفاهي، على العكس تماماً من الفصحى بوصفها لغة لها قواميسها ومعاجمها، ولذا فحري بنا أن نعد ما أنجزه اليوم لنا الجويبراوي، خطوة نحو تأسيس مرجعية للهجتنا العامية، لا سيما شعرنا الذي اغترف كثيراً من مفردات هذه البيئة التي كانت ولم تزل مصدر إلهامنا الجمالي الذي شوهته كثيراً العديد من البرامج والفضائيات التي تعمد بقصد وبدون قصد للنيل منها ثقافة
وإنساناً.
وإنني أجد من المناسب والضروري جداً إطلاع شعراء العامية العراقية على هذا المعجم النادر، وهنا أعني الشعراء الذين يهمهم الشعر لا اللاهثين خلف غبار وأتربة البرامج والمهرجانات الهابطة.
للجويبراوي تحية سومر والقصيدة والتاريخ، ولأهوارنا الفخر بما أنجز.