كاظم غيلان
مثلما للبناء دوافعه وحواضنه فللخراب من يقف خلفه ويدعمه ويموله ويبشر بـ (منجزاته)، هذا ما يقوله العقل في الراهن من زماننا الذي اختلط حابله بنابله.
في زماننا أو لنقل في راهن خرابنا تعصف ظواهر شاذة تهدد كل ما هو أصيل وعريق ومؤسس على كل ما هو جميل، يحصل هذا في ظل غياب رقابة مطبوعات (لا أعني هنا رقابة الدكتاتورية التي تحرس سلطتها وتخشى على خطابها)، إنها رقابة المعرفة التي تتسلح بوجه الخراب الذي بات يعصف بلا هوادة، دور نشر بعضها وهمية، مؤسسات واستوديوهات إنتاج فني ممولة بمبالغ تفوق الخيال، مهرجانات ومؤتمرات يمولها رجال أعمال وشركات بعضها وافد وبعضها الآخر يقيم بين ظهرانينا.
الضجة التي شهدتها مواقع التواصل الاجتماعي شكلت رد فعل على ما أقدم عليه واحد من نشازات الغناء ليؤدي أغنية لـ (فيروز)!
هذا الصوت الملائكي يعتدى عليه في محاولة لتشويهه لا تقليده، طبعاً تجد من يطرب له ويروج لما
يبتغيه.
استوديوهات اخترقت الغناء لتحوله إلى مهزلة ودربكة بعد أن جندت نفراً من قرقوزات الشعر العامي –حصرياً- لتسفيط كلام يسهم بخراب الذائقة تماماً، بل ويحيلها إلى – نفايات- هذا النفر الذي منحه الصديق الشاعر المهم ابراهيم البهرزي ما يليق به من وصف حين أطلق عليه(نتاج المواخير). نعم إنها لا تتعدى المواخير التي تقف خلفها مؤسسات داعمة ترفع من شأنها إعلامياً وتحقق لها فرص التحكيم بالشعر نفسه وبالغناء نفسه.
لم نستغرب أن يطل علينا أحد من خريجي أو تلامذة هذه المواخير ومن خلال البرامج الهابطة وهو يتمادى ويسخر من (البنفسج والطيور الطايرة و يا حريمة ....الخ ) طالما بلغ السيل الزبى، إذ أطل على جمهور الشام من يحاول مسخ (فيروز)، هذا الجمهور الذي أشبع ذائقته صباح فخري بـ (قدوده الحلبية) يعتدى عليه بالنشاز العراقي الذي صنعته
(الترندات) .
الحال نفسه يحصل في الشعر اليوم فبمجرد أن تصلك دعوى للمشاركة بمهرجان شعري حتى يحق لك مسخ التجارب الكبيرة، أو بمجرد أن تدعى لبرنامج هابط كمعده ومقدمه الذي لا نسمع منه سوى: الله .. الله يا حبيبي حتى يحق لك التطاول على من أسسوا كل ما هو معرفي وجمالي في الخطاب الشعري.
الانفلات على أشده لكن ذلك لا يعني غياب وتلاشي الجمال كله، ولربما كانت ردة الفعل بما حصل لأغنية فيروز تحذيراً يقول لهؤلاء: تجنبوا الملائكة.