سعد صاحب
لكل شاعر طريقته الخاصة بتناول موضوعة العيد، وغيلان لا يكتب عنه بطريقة فجة، بعيدة عن المدلول الإنساني العميق، فهذه المناسبة السعيدة ترحل به صوب الأصدقاء والأهل والأحباب والطفولة، وتدفعه لاستذكار من غابوا في غفلة من الزمن، وتسللوا خارج حياتنا دون توقيت مناسب، ورغم ذلك نجد الفرح حاضراً، في هذا المقطع المليء بالحب والمرح والمناديل والنمنم والثياب. (احنه مره اتعايدينه / وطارن امن ايدي جفافي / جانت العيديه نمنم / والثياب اتلاعب اطوال القوافي).

حمامة

حين تقصد الشاعر إثارة غيرة الحمامة، المتلفتة صوبهم بلا اكتراث، تحول برودها إلى نار مستعرة، ولأنها بريئة وتميل للخير وتنبذ الشر وتكره الخبث والعداوة والدناءة، فرشت جناحيها الأنيقين، واحتفلت بنشوة الطيران في سماء بلا حواجز أو قيود، ثم قالت لهما هنيئاً لكما هذا الحب العفيف. (اتلفتت طيره علينه / حنصيناها بلعبنه / هدلت اجناحينها وكالت 

عوافي). 

براءة 

مفردة الطير توحي بالحرية والبراءة والسلام، وطائر غيلان النائم فوق محجر بيوت الجميلات، بلا غاية سيئة أو وسيلة دنيئة، كان يزاول بعض مواهبه الفطرية في الاستراحة والتحليق، وهذا الانتقال من مكان إلى آخر، يجيده بكل كفاءة واقتدار، دون الاستفادة من تجاربه السابقة، ودون الحذر من خطط الأعداء لقتله بسهم مسموم، ودون الحيطة من صياد يتربص به الشرور. (يا محبتنه ودرابين الزغر / يا طير فوك امحجر الحلوات غافي). 

طائر 

طائر زاهي الريش، يحلم بالربيع والأشجار والأعشاش الآمنة، وبالماء الذي يجري في السواقي النقية، الخالية من الأوساخ والطين والحشرات، وعلى حين غرة، يجفل من صوت خلخال يدوي في الروح، ويهيم شوقاً من ألحان قرط هيج العواطف الدفينة، وهي في كل الأحوال مشاعر بريئة، مفعمة بالجمال والإنسانية والتودد والأوهام، لا تقترب من الخطيئة، ولا تتنازل تحت شتى الضغوط عن الفضيلة. (انته غافي انته حالم بالربيع / ابماي يركض بالسواجي / اثنين مرن فززنك / الله لا ينطيهن اللي فززنك / وحده من طكت حجلها / وحده من لعب 

التراجي). 

وطن

الحزن في الأعياد قريب من الشعراء، ومن كل غريب بلا وطن ولا مأوى، فهو نقي مثل الأطفال الأبرياء، الذين لا يعرفون الكذب والتمثيل والتحايل والغدر والخيانة، والحزن رائع  بإحساسه الشفيف، فهو لا يسلب منك الفرح العابر، الموجود في وجه طفلة  باسمة، أو في كتابة قصيدة مختلفة، أو في خطوط لوحة تشكيلية ذات ألوان زاهية، أو في مغازلة امرأة فاتنة قادتها صوبك الأقدار، أو في حديث ممتع مع صاحب قديم، والحزن حين تعامله بود واحترام، يحنو عليك ولا يطيل المكوث في روحك المتعبة، ويترك في يديك عند الرحيل، علبة من النقود والهدايا وكيساً من الحلوى اللذيذة. (عاشرينه الحزن كبل العيد / من أول عمر / 

واحنه عشرتنه مصايب / مو مثل عشرة حرامية شعر). 

غزارة في الصور 

الشاعر هو القصيدة ذاتها، والشعر الجيد تناغم وتوازن وأحلام وأغنيات وامتلاء، والكتابة العميقة ليست متاحة للجميع، وإن القصد منها الوصول إلى أعلى قمة في جبل الإبداع الشاهق، وعلاقة المبدع بمنجزه العريق، تشبه إلى حد ما علاقة الدرويش بالدفوف والإنشاد والتهاليل والأذكار، وإننا حين نبدع في عمل ما، فالغاية اثبات وجودنا بصورة أساسية، ومنح الآخرين وفرة في الأخيلة وغزارة في الصور وإفراطاً في الجنون. (احنه عشرتنه دراويش وذكر / طعنه حي اعلى المحبه / وطعنه حي اعلى الشعر). 

في سورة هيجان الغريزة، عليك المحافظة على الشيء الثمين، والابتعاد قدر المستطاع عن الأخطاء القاتلة، والتحكم الصحيح بالعواطف المستثارة، وعدم المساس بجوهر الحب الأصيل، والحرص الشديد على مواصلة المشوار إلى آخر الطريق، وإياك أن تخون الأمانة الموكلة إليك، وإياك أن تترك الحبيبة في عواصف الغياب. (يا سلام الله على المابي دغش ويه اليحبه / يا سلام الله على الشعر الاحبه).  بعد منتصف الليل تعصف المشاعر، بعاشق خائر القوى، يعيش في أقصى درجات العذاب والضجر، وعند اشتداد المصيبة يستعين بقلبه الجريح، أن يحمل التحية إلى كل زاوية وزقاق وشارع وعتبة وباب، إلى كل جار وإلى كل صديق. (وره ساعه اثنعش كلبي / الليله سلملي عليهم / باب باب وعتبه عتبه).