بتول حيدري وحلم العودة إلى أفغانستان

بانوراما 2023/01/15
...

  باولو سانتلوسيا

  ترجمة: بهاء سلمان

كانت بتول حيدري أستاذة جامعة بارزة لمادة علم النفس ضمن جامعة كابول قبل استيلاء حركة طالبان على الحكم في أفغانستان. وكانت تدرّس في صفوف مختلطة تجمع الطلاب الذكور والإناث. وكان لدى زوجها مصنع للسجاد، وعملا معاً بكل ما يسعهما لتوفير تعليم جيّد لابنهما البالغ 18 سنة، ولابنتيهما بعمري 13 وثماني سنوات.

وصلت تلك الحياة المريحة إلى مرحلة توقف مفاجئة يوم 15 آب 2021، بعودة طالبان إلى سدة الحكم بعد عقدين من حملة أميركية لحكم البلاد.

كانت بتول، 37 عاما، من بين نساء كثيرات هربن من طالبان، مع خشيتهن من العودة إلى ممارسات فترة حكمهم السابقة خلال تسعينيات القرن الماضي، بضمنها حرمان النساء من التعليم والعمل. وصلت الأستاذة المبدعة إلى روما نهاية سنة 2021، بعد رحلة هروب جريئة عبر باكستان، وبمساعدة من متطوعين إيطاليين رتبوا لها ولعائلتها استضافة في إحدى ضواحي روما.

وتعد بتول من بين آلاف النساء الأفغانيات الساعيات إلى إدامة دور اجتماعي فعّال في الدول التي احتضنتهم؛ فهي وزوجها يدرسان حاليا اللغة الإيطالية بالوقت نفسه الذي يتلقيان فيه دعماً ماليا من قبل جمعيات مختلفة. وتحاول إدامة الإتصال مع بعض من مرضاها عبر الانترنت. 

تقول بتول: «أريد من أطفالي المساهمة في مستقبل أفغانستان، وأنا على يقين من عودة عائلتي يوما ما إليها، فعندما اجتاز ابني امتحانا لكلية الطب في إحدى جامعات روما، كانت هذه أنباء سارة بالنسبة لي، فأنا قدمت لدولة أوروبية فقط لأجل مستقبل أفضل لأطفالي».

كانت حركة طالبان قد وعدت بشكل أساسي باحترام حقوق النساء والأقليات. بدلا من ذلك، قامت تدريجيا بفرض حظر على تعليم البنات لمرحلة ما بعد الدراسة الابتدائية، وإبعاد النساء عن معظم مجالات التوظيف، مع فرض الحجاب الكامل. 


مخاطر البقاء

حاولت بتول البقاء في كابول مع عائلتها بعد استيلاء طالبان على السلطة، وصارت ناشطة  لصالح «شبكة المشاركة السياسية للنساء الأفغانيات» لحقوق النساء في التعليم والعمل والمشاركة السياسية. وسرعان ما صارت المخاطر مرتفعة للغاية. وتنتمي هذه السيدة لأقلية الهزارة، التي تعرّضت كثيرا لأعمال عنف منذ عودة طالبان. وتعرّضت للاستهداف من قبل مسلحي «داعش» الإرهابية، فضلا عن التمييز العرقي من قبل الغالبية السنية للبلاد.

وتلقت بتول تهديدات بالقتل، لتقرر المغادرة أواخر العام 2021؛ فهربت نحو باكستان مع عائلتها، وساعدتها الصحفية الإيطالية «ماريا غرازيا مازولا» بتأمين رحلة طيران إلى إيطاليا. تقول ماريا: «سمعنا بحملة تفتيش لطالبان في المنازل القريبة جدا من مكان إختباء بتول. كنا متواصلين مع السفارة الإيطالية في باكستان، وباتصالات سرية تماما داخل أفغانستان، وقررنا جميعا ضرورة تغيير مكان الاختباء كل ثلاثة أيام».

قامت الحكومة الإيطالية بإخلاء أكثر من خمسة آلاف أفغاني على متن طائرات عسكرية مباشرة بعد استيلاء طالبان على الحكم. لاحقا، عملت شبكة من منظمات نسوية وكنسية ومتطوّعين، من أمثال ماريا، على إبقاء تنظيم ممرات إنسانية، وإقامة مواقع استضافة في إيطاليا. ويقيم اللاجئون حاليا فيها ويحصلون على حق اللجوء بشكل تدريجي، بحسب ماريا، وتكمن الأولوية في تأمين اعتراف رسمي بدرجاتهم الجامعية، أو مؤهلاتهم التي تساعدهم بالحصول على وظائف محترمة. تقول ماريا: «لا يمكن لامراة مثل بتول أن تعمل كعاملة نظافة في مدرسة، لأنها خسارة لمجتمعنا أيضا، فهي متخصصة بعلم النفس وتستحق الاستمرار باختصاصها».

تتفق بتول مع هذا الرأي، لكنها تؤكد اشتياقها لشوارع وأزقة كابول، والحياة السهلة التي اعتادتها هناك، «فأغلب ما أفتقده هو أنني كنت في بلادي شخصية مفيدة بشكل كبير».


وكالة اسيوشيتد برس الأميركية