الصراعُ في الكونغو يسير نحو الأسوأ

بانوراما 2023/02/05
...

سام منديك


ترجمة: بهاء سلمان


الروايات تثير الهلع، من اختطاف وتعذيب واغتصاب، وقتل عشرات المدنيين، بضمنهم النساء والأطفال من قبل أفراد حركة 23 مارس المتمرّدة بمنطقة شرق الكونغو، وفقا لتقرير أصدرته الأمم المتحدة.

علاوة على ذلك، أرغم المتمردون الأطفال على حمل السلاح وتجنيدهم، بحسب التقرير نفسه لهيئة خبراء الأمم المتحدة. ومن المتوقع نشر هذا التقرير خلال الأيام القليلة المقبلة، ويتألف من 21 صفحة، مرتكزا على لقاءات مع أكثر من 230 مصدرا، وزيارات ميدانية إلى مقاطعة روتشورو الواقعة داخل إقليم كيفو شمالي الكونغو، حيث يسيطر أفراد الحركة على المنطقة. ويشتعل الصراع بنار هادئة على مدى عقود شرقي الكونغو، حيثُ تتقاتل أكثر من 120 مجموعة مسلحة في ما بينها على حيازة الأرض ومناجم المعادن النفيسة، بينما تسعى مجاميعُ أخرى لحماية تجمعاتها السكانية.


وتدهور الوضع المتقلّب من الأساس بشكل هائل خلال العام الماضي، حينما ظهر أفراد حركة 23 مارس على السطح مجددا، بعدما اختفوا بشكل كبير لقرابة عقد كامل. وبرزت هذه الحركة قبل عشرة سنوات، عندما سيطر مقاتلوها على غوما، المدينة الأكبر في شرقي الكونغو، والكائنة على الحدود مع رواندا. وتستمد الحركة اسمها من اتفاقية سلام وقعت يوم 23 مارس 2009، والتي دعت المتمردين للانضمام إلى صفوف الجيش الكونغولي. وتتّهم الحركة الحكومة بعدم تفعيل تلك الاتفاقية.

في أواخر سنة 2021، بدأت الحركة المجددة لنشاطها بقتل المدنيين والسيطرة على مساحات كبيرة من الأرض، وارتكب مقاتلوها أعمال اغتصاب ومضايقة للنساء، اللاتي يعملن بزراعة الحقول في المناطق المسيطر عليها من قبل المتمرّدين، وفقا للتقرير. ويتّهم المتمردون المدنيين بالتجسس لصالح الجيش الكونغولي، ليتم في الغالب احتجازهم، وتعرّض البعض منهم للضرب حتى الموت، كما يشير التقرير.


تعامل جائر

الساكنون في مناطق سيطرة حركة 23 مارس ليسوا معرّضين فقط لإساءة التعامل، بل يتم إجبارهم أيضا على دفع الضرائب، ففي منفذ بوناغانا الحدودي مع أوغندا، يجني المسلحون ما متوسطه 27 ألف دولار شهريا من الأموال، التي يدفعها الناس لإدخال وإخراج البضائع من البلاد، بحسب التقرير الأممي. وقال اثنان من الساكنين المحليين داخل نطاق سيطرة الحركة، مع عدم إبداء رغبتهما في الإفصاح عن اسميهما خوفا على سلامتهما: إنهما إرغما على جلب البقوليات إلى المتمردين، ودفع مبلغ خمسة دولارات إن رغبا بالمرور والوصول إلى حقولهما الزراعية، واذا أرادا مغادرة القرية، فعليهما سلوك طرق غير معتادة، خوفا من انتقام المتمردين.

ولم ترد حركة 23 مارس على الأسئلة الخاصة بهذه المزاعم، لكنها اعتبرتها سابقا كنوع من أنواع الدعاية المضادة. وتعدُّ أعمال العنف من قبل المتمرّدين جزءاً من التفاقم الإجمالي للأزمة القائمة في منطقة شرق الكونغو، مع اشتداد القتال بين الفصائل المسلحة واتساع رقعته بإقليمي شمال كيفو وايتوري، بحسب التقرير.

“يستمر الوضع الأمني والإنساني في شمال كيفو وايتوري بالتدهور بشكل كبير، رغم فرض حالة من الحصار المستمر على المنطقة على مدار الـ18 شهرا الماضية، ورغم العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش الكونغولي والجيش الأوغندي وقوات الأمم المتحدة في الكونغو،” كما يقول التقرير.

إضافة لهذا الوضع في شرقي الكونغو، تتصاعد الهجمات التي تشنها القوات الديمقراطية المتحالفة (جماعة متمرّدة تنشط في أوغندا والكونغو الديمقراطية، وتعتبرها الحكومة الأوغندية منظمة إرهابية/ ويكيبيديا – المترجم)، والتي يعتقد بارتباطها بعصابات “داعش” الإرهابية. ويشير التقرير إلى أن عمليات مشتركة بين الجيشين الكونغولي والأوغندي لم تثمر لغاية الآن بالنتائج المتوقعة لدحر القوات الديمقراطية المتحالفة أو إضعافها بشكل كبير، بحسب التقرير. ومنذ شهر نيسان الماضي، قتل مسلحو المنظمة 370 مدنيا وخطفوا عدة مئات آخرين، بضمنهم عددٌ كبيرٌ من الأطفال؛ كما وسعت المنظمة منطقة عملياتها إلى غوما وإقليم ايتوري المجاور.


مجتمع متمزّق

يعمل القتال على تفاقم الأزمة الإنسانية المفجعة شرقي الكونغو، فقد تمَّ تهجير ستة ملايين فرد تقريبا داخل البلاد، مع تهجير أكثر من 450 ألف شخص ضمن إقليم شمال كيفو منذ تزايد المواجهات المسلحة شهر شباط الماضي. ويواجه مئات آلاف الناس خطر انعدام الأمن الغذائي، كما تنتشر الأمراض، وفقا لمنظمات الإغاثة. وترتفع حالات الكوليرا بشدة في منطقة نيراغونغو، التي تحتضن العديد من المهجرين القادمين من شمال كيفو، مع اكتشاف 970 حالة مرضية خلال الأسابيع الماضية، بحسب منظمة “انقذوا الأطفال” البريطانية.

ولم ينتج عن الجهود الرامية لاستئصال العنف إلا الشيء القليل، حيث تواجه قوة إقليمية جديدة تم نشرها في شرق الكونغو حالة صد من الساكنين، الذين يشيرون لعدم رغبتهم بتواجد المزيد من المجاميع المسلحة في المنطقة. كما أن التوترات تتزايد أيضا مع الجارة رواندا، التي تواجه تهمة دعم متمرّدي حركة 23 مارس، وهي نتائج تدعمها الأمم المتحدة.

قبل عدة أيام، أعلنت الحركة أنها تنسحب من كيبومبا، البلدة القريبة من مدينة غوما، حيث سيطرت عليها لعدة أسابيع، كجزء من اتفاقية وقعت شهر تشرين الثاني الماضي خلال قمة عقدت في أنغولا، بحسب ما صرّح به “لورنس كانيوكا”، المتحدث السياسي باسم الحركة. ومع هذا، يقول ساكنو البلدة إن المتمردين لا يزالون حاضرين فيها، ويواصلون الاعتداء على المدنيين. يقول “فاوستن كاميت”، أحد ساكني كيبومبا: “تمَّ جلد جاري لأنه رفض السماح لأفراد الحركة بذبح معزته. هم يكذبون على المجتمع الدولي بنشر خبر انسحابهم”.


صحيفة لوس انجليس تايمز الأميركية