بخور {أرض الصومال}.. ثروة وطنية مفقودة

بانوراما 2023/02/27
...

 راتشيل فوبار

"لا أتحدث بشكل مجازي، إذ إن قنينة من زيت الأساس لشركة "دوتيرا" بإمكانها تغيير العالم،" كما قال "ديفد ستيرلنغ"، الرجل الأنيق المتوسط العمر. جمهوره من الإناث يهللن ويصفرن، وكأنه أحد المشاهير. ستيرلنغ، آنذاك المدير التنفيذي والمساهم بتأسيس دوتيرا، شركة التسويق المتعددة المستويات المتخذة من ولاية يوتاه الأميركية مقرا لها، وتبيع الزيوت الأساسية، كان يعطي ملاحظاته خلال افتتاح مركز سالت بالاس التقليدي في مدينة سالت ليك شهر أيلول 2021.
 ترجمة: بهاء سلمان

شركة ديتورا، التي تكسب أكثر من ملياري دولار كمبيعات سنويَّة، تتعهد بكون منتجاتها أفضل مما تقدمه الشركات الأخرى، فالزيوت أنقى، وتم حصادها بشكل أكثر استدامة، وتدفع للعمال أجورا أعلى، فضلا عن دعمها للتجمعات السكانيّة المحليّة. وعلى موقعها الالكتروني، تسلّط ديتورا الأضواء على سلسلة تجهيز بخورها كمثال على "كيفية خلقها لدخل مالي وإنصاف وتشغيل وأمان أكثر استقرارا وموثوقيّة" بالنسبة لعمال الجني وفرز المحاصيل.

يعد البخور، المستخلص من المادة الصمغيَّة لأشجار "بوسويلا"، الموجودة في منطقة القرن الأفريقي، أحد أقدم السلع التجارية عالميا وأكثرها شهرة، لكونه إحدى الهدايا التي جلبت عند ولادة السيد المسيح من قبل الرجال الحكماء الثلاثة، كما ورد في الإنجيل. وهو أيضا من المواد الغالية الثمن أيضا، إذ تباع قنينة بخور زيت أساس، وزن عبوتها 14 غراما، تسوّقها شركة ديتورا بمئة دولار. ويشير الموقع الالكتروني للشركة أن منتجاتها راقية بسبب قدرتها على "تجديد البشرة حينما يوضع الزيت موضعيا، ويعزز الصحة الخلوية والمناعة... عندما يؤخذ داخليا".


شركات مستبدة

وتقول وكالة متخصصة ببيع منتجات ديتورا أن نهجها الأخلاقي هو ما يجذب المشترين من النساء. بيد أن تحقيقا طال لسنتين كشف حقيقة مغايرة داخل "أرض الصومال"؛ الجمهورية المعلنة من جانب واحد والواقعة شمال جمهورية الصومال، والمنشأ الأكبر لبخور ديتورا؛ حيث تتقاضى النساء العاملات أجورا قليلة جدا من مؤسسة بخور ديتورا، وهي شركة صومالية تدعى "أصلي مايدي"، إذ أخبرن مؤسسة "فولر بروجيكت" الإخبارية المتخصصة بشؤون النساء، أن الشركة تطلب منهن العمل تحت ظروف قاسية ترتبط بمشكلات صحية، ويقود المؤسسة رجل لديه سلطة سياسية اتهمته عدة نساء بالاعتداء الجنسي عليهن.

وبتقديم اكتشافات فولر بروجيكت، قالت ديتورا إنها ستعلّق أعمالها مؤقتا في "أرض الصومال"، وتعمل بالوقت نفسه على إشراك طرف ثالث للتحقيق في الموضوع. وأشارت الشركة إلى "قلقها" لمزاعم ظروف العمل البائسة، والتي "تتعارض مع فهمنا الحالي للأعمال الجارية". وتتفاخر ديتورا بنفسها كشركة تدعم النساء، وتخطط للتحقيق بمزاعم سوء السلوك بمجرّد ضمانها لوسيلة دخول آمنة لدولة "أرض الصومال"، بحسب تصريح ألكتروني

 للشركة.

ولم يستجب "بارخاد حسن"، مالك شركة أصلي مايدي، لأسئلة محددة تدور حول مزاعم سوء التعامل والاعتداء، غير أنّه رفض جميع المزاعم ضده، مؤكدا قيامه بتطوير المصلحة التجارية للبخور. لكن العكس يدور بين عاملات الفرز للبخور، اللواتي يقسّمن المادة الصمغيَّة للبخور وفقا للون والدرجة والجودة، إذ تحدثن لمؤسسة فولر بروجكت عن العمل لمدة تصل إلى 12 ساعة يوميا، لستة أيام أسبوعيا في مستودع تابع لشركة أصلي مايدي. ويشير الكثيرون إلى أن الشركة أغرتهن بوعود الأجور المنصفة والمواد الغذائية والمال لأجل رسوم مدارس أولادهن.


وعود فارغة

ووفقا لمراقبة العاملات في مستودع ايرجافو، عاصمة جمهورية "أرض الصومال"، ونساء أخريات متفرّقات، تعهّدت أصلي مايدي ببناء مسكن بالقرب من مستودعات عاملات الفرز، وتوفير وسائط النقل من المسكن إلى العمل، إلا أن الوعود لم يتم تنفيذها مطلقا. وتقول إحدى عاملات الفرز بأنّها تسير يوميا ساعتين إلى المستودع في ايرجافو.

وتقول النسوة إنّهن يكسبن يوميا مبلغ عشرة آلاف شلن من عملة البلاد المحلية، (نحو دولار واحد) مقابل فرزهنّ لستة أرطال من المادة الصمغية. وبينما يمثل معدل الأجور هذا أمرا قياسيا لعاملات الفرز في المنطقة، فالأجر المنصف يفترض أن يكون دولارين ونصف الدولار للرطل الواحد، أي نحو 15 دولارا يوميا، بحسب حاجة النساء لدعم أسرهن، بحسب "أمينة سليمان"، مديرة منظمة قرن أفريقيا "الخيرية، التي تدافع عن عاملات الجني والفرز في "أرض الصومال".

تتحدث إحدى العاملات عن غياب دورات المياه الصحية والمياه الجارية في المستودع؛ متسببة بتطوّر مشكلات الكلى والتهابات المسالك البولية عند النساء نتيجة لانعدام تلك الوسائل أثناء العمل. فضلا عن غياب فترة الاستراحة، ويتوجب عليهن طلب استخدام مراحيض المنازل المجاورة للمستودع. وتقول عاملة أخرى إنها بالكاد تستطيع السير بسبب آلام الظهر الناتجة عن حملها لأوزان ثقيلة من المادة الصمغيَّة كل يوم؛ وتشير إلى ضرورة بقائها تعمل لدى أصلي مايدي لأنَّ زوجها متوفى 

وينبغي عليها إعالة أولادها الثمانية.


كلام بلا دليل

على موقعها الألكتروني، تقول ديتورا إنّها "تدعم السكان من خلال دفع المال للنساء مقابل تنظيف وفرز المادة الصمغيَّة بالوقت نفسه، الذي تضمن فيه ظروف عمل منصفة وتعزيز بيئات عمل آمنة وصحية خالية من ممارسات الاستغلال والمضايقة والتمييز العنصري." لكن العديد من النساء يشتكين من الجلوس على الأرض، منحنيات الظهر على مادة صمغية خام مليئة بالغبار، ويحملن أوزانا ثقيلة لمادة صمغية تم فرزها في أرجاء المستودع. وتحدثت عاملات لدى شركة أصلي مايدي عن حالات الإساءة والابتزاز، التي تعرضّن لها حينما تقدمن للعمل، ومنها التعرّض للاغتصاب من قبل بعض الرجال، ومنهم مالك الشركة بارخاد حسن، إضافة لأشخاص أجانب. وتم تهديد النسوة بالقتل إذا تحدثّن عن أي شيء حصل لهن، وهن يشعرن بالقلق دوما من افتضاح أمرهن بين الناس لأسباب اجتماعية وأخلاقية وفقا لتقاليد المجتمع السائدة.

من جانبه، رفض حسن هذه "المزاعم"، واصفا إياها بالأكاذيب، مؤكدا كونها محاولات من أشخاص آخرين لديهم نفوذ في البلاد، يسعون للحلول مكانه في تصدير هذه المادة المهمة تجاريا، ولن يتوقفوا عن فعل أي شيء لأجل أخذ مكانه في هذه التجارة الرابحة. وزعم بتعرّض العاملات في مصلحة البخور التجارية إلى الإساءة قبل دخوله لعالمهم، إلا إنه قام بتغيير الأوضاع نحو الأفضل، وأنه قام برفع أجورهن وتحسين ظروف العمل، حسب وصفه.

صحيفة الغارديان البريطانية