مدينةٌ سويديَّة تنتقل من موقعها

بانوراما 2023/03/01
...

 جنيفر رانكن

 ترجمة: مي اسماعيل

تهدد الترسبات الهابطة من أكبر منجم لخام الحديد في العالم بابتلاع مدينة "كيرونا" في القطب الشمالي؛ ولكن ماذا يعني انتقالها من موقعها بالنسبة لرعاة غزال الرنة المحليين من شعب "سامي"؟ تقع كنيسة مدينة "كيرونا" في أقصى شمال السويد، بعد الدائرة القطبية الشمالية بنحو مئتي كيلومتر.
ذات يوم جرى تصنيف تلك الكنيسة بأنها أجمل مبنى تاريخي في السويد. صممت الكنيسة الأنيقة (ذات لون بلاطات التراكوتا الطينية والأسطح الخيالية) لتحاكي الكوخ المعروف لشعب "سامي- Sami" الأصلي، وجرى افتتاحها سنة 1912 من دون أي رمز ديني تقريبا. ووصفتها "لينا تجارنبرغ"، التي تشغل رتبة قس، بأنها.. "غرفة جلوس المجتمع". ولكن إذا كان على كنيسة كيرونا أن تحافظ على كيانها؛ فلا بد أن 

تنتقل.

وتقول التقارير إنه خلال العام 2026 سيجري تحميل المبنى الخشبي بأكمله (ووزنه 600 طن) على شاحنات لكي يُنقل الى موقع جديد قريب من المقبرة المحلية. وهذا الانتقال مجرد جزء واحد كبير (وصعب عمليا) من مشروع لنقل مدينة كيرونا الى موطنها الجديد؛ الذي يبعد نحو ثلاثة كيلومترات شرق المدينة القديمة. 

وصفت كيرونا بأنها أكثر مشاريع إعادة التوطين ثورية في العالم، وجاء قرار نقلها لأن الرواسب الهابطة من منجم خام الحديد المحلي تهدد بابتلاعها. وقد ظهرت التشققات بالفعل في مبنى المستشفى، ولم تعد المدرسة آمنة على التلاميذ. تمضي "تجارنبرغ" قائلة: "نحن مبتهجون لأن الكنيسة يمكن نقلها، وأدرك مشاعر الحزن لدى الناس، لأن الكنيسة من المعالم المهمة لهم.. ويمكن رؤيتها في كل مكان، وقد نشعر بالحزن لغيابها من الأفق". عدد سكان المدينة نحو 18 ألفا، وقد ارتبط مصيرها بمصير المنجم الأكبر لاستخراج خام الحديد في العالم منذ تأسيسها عام 1900. ويُنتج نحو 80 بالمئة من إمدادات الاتحاد الأوروبي. تأمل شركة المناجم السويدية المملوكة للدولة أن تمثل طليعة الثورة الصناعية الخضراء لأوروبا، وتسعى إلى الاستقلال الذاتي في الموارد الطبيعية؛ لمواجهة أزمة المناخ والانذار تجاه إعتماد أوروبا غالبا على حكومات أجنبية للحصول على المعادن والمواد الطبيعية الحيوية. 

بدأت الشركة بإنتاج الحديد الإسفنجي الخالي من الأحافير منذ العام 2021؛ عن طريق استبدال الفحم بالهيدروجين المنتج من الكهرباء الخضراء. وأعلنت الشركة الشهر الماضي أنها تتربع على أكبر مخزون معروف من العناصر الأرضية النادرة في أوروبا؛ وهي معادن ضرورية لإنتاج بطاريات السيارات الكهربائية وتوربينات الرياح. 

وتقول "إيبا بوش" نائبة رئيس الوزراء والمسؤولة عن المناخ والأعمال، للصحفيين داخل المنجم على عمق 500 متر تحت الأرض: "السويد حرفيا منجم ذهب، وعلى أوروبا أن تعي الدرس؛ ألا تكون كثيرة الاعتماد على دولة واحدة للحصول على الغاز؛ كما كنا نعتمد على روسيا". ومضت قائلة إن اكتشاف معادن نادرة وفر الفرصة أيضا لأن يكونوا أقل اعتمادا على الصين أيضا؛ التي كانت مصدر نحو 85 بالمئة من عناصر الأرض النادرة عالميا. 


فقدان الهويَّة

لكن انتقال كيرونا يثير قلق بعض أفراد شعب "سامي"؛ الذين ألهموا تصميم أحب مبانيها وأعطوا المدينة اسمها؛ إذ جاءت كمة كيرونا من كلمة "giron" لشعب سامي، وتعني طائر "طيهوج الثلج". قبل قرون من عمل شركة المناجم بحفر الأرض؛ كان شعب سامي يرعون غزال الرنة عبر الأراضي 

القطبية. لكنهم يخشون وقوع معيشتهم تلك تحت الضغط؛ إذ باتت مهددة بالفعل من أزمة المناخ، التي قيدت مصدر الغذاء الرئيس لغزلان الرنة خلال الشتاء، ألا وهو الحزاز (أشنات طحلبية- المترجمة). 

يرى "ستيفان ميكائيلسون" (نائب رئيس مجلس إدارة برلمان شعب سامي) أن تشظي الأراضي يشكل صعوبة اضافية لرعي قطعان الرنة؛ قائلا: "هناك خط سكة الحديد وعمليات تعدين، ونقل لمركز المدينة، فبات من الصعب الاستمرار بتحرك رعاة الرنة". ويخشى ميكائيلسون أن يؤدي أي توقف لهذا النشاط القديم إلى المساس بحقوق شعب سامي في الأرض. هناك نحو عشرة آلاف فرد منهم في السويد مسجلون ضمن السجل الانتخابي لبرلمان سامي؛ لكن عددهم الحقيقي غير معروف؛ لأن آلية التعداد السويدي لا تجمع بيانات 

العرق. 

يرفض ميكائيلسون (وهو أيضا راعي رنة) مقترحات ترى ان من الأفضل إنتاج خام الحديد الخالي من الأحافير في السويد بدلا من الاعتماد على معادن مُلّوِثة من مكان آخر؛ قائلا: "ليس اذا كانت تلك العمليات تُدمّر ما تبقى من التنوع البايولوجي (في إشارة إلى شعبه)، نريد الاحتفاظ بثقافتنا وقيمنا القديمة لضمان حياة جيدة؛ وليس لحياة سهلة مع نفقات عالية وعادات استهلاك غير صحية". 

قال "أندرس ليندبرج" المتحدث باسم الشركة انه تعيّن على قريتين من شعب سامي تغيير مسارات رعيهم لغزال الرنة منذ افتتاح المنجم سنة 1900؛ لكنه أوضح بأن الشركة باتت الآن "أفضل بكثير" من حيث الاستماع الى الرعاة وسعيها لتقليل التأثير على عملهم. 

ورغم ذلك فقد يتعين على قرية "غابنا" تغيير مسارات رعيها بعد اكتشاف المعادن النادرة. أما "نينا الياسون" مديرة التخطيط في بلدية كيرونا فترى أن الكثيرين لا يشعرون بالسلبية تجاه تحويل موقع المدينة؛ لكنها تعترف أن العديد منهم يشعرون بالحزن لهدم مساكنهم، قائلة: "أنه امر حقيقي، وبالطبع يتعلق الأمر بذكرياتك والمكان الذي نشأت فيه". 

سيتوجب على نحو ستة آلاف شخص الانتقال، وسيجد المستأجرون ارتفاعا تدريجيا في مبالغ الايجار وصولا الى حد أعلى بنحو 25 بالمئة من الايجار القديم. وقالت الياسون إنه لم يكن أمام شركة التعدين خيار سوى رفع الإيجارات لتحديث مخزون الإسكان منذ الستينيات. وقد لا يكتمل المشروع حتى العام 2035؛ لكن المدينة لم تتلق ضمانات بتغيير أعمال التعدين المستقبلية للبيئة، بحسب الياسون: "لم نتلق أي ضمانات اطلاقا، وكان علينا قبول ذلك". 


صحيفة الاوبزرفر البريطانية